رأي خاص- “الخائن” انطلق مترنّحًا ومتحرّرًا من قواعد الرقابة المضبوطة على عقارب المبادئ الاجتماعية
فجأة تحوّل المشهد عبر منصة “شاهد” وشاشة الـ MBC من مسلسل سرق نجاحات الانتاجات الدرامية المعرّبة من التركية على غفلة منه، نقصد به مسلسل ” كريستال”، الى انتاج جديد فاقد لعنصر الجذب منذ المشهد الأوّل من بدء تاريخ عرضه مساء الأحد الفائت، أي مسلسل “الخائن”، حتى ليمكن القول بأنّ المنصة المذكورة وصنّاع المسلسل الشهير تجرّأوا على خيانة عاطفة مشاهديهم في حياكة انتاج درامي متفلّت من قيود النجاح المعتمدة في الصناعة الدرامية، بدءًا من اختيار الممثلين الذي بدا على غير إلمام بقواعد اللعبة، فظهر التقارب بين بعضهم البعض شبه مستحيل وكأنّ أسماءهم اختيرت بالقرعة حيث لا انسجام ولا انصهار مع مضمون القصة، وحيث البعض لا يشبه نفسه على الإطلاق، إن من خلال الشكل الخارجي، أو من خلال الأداء المفتعل وغير العفوي، فيما البعض الآخر يكرّر ما التصق فيه من بقايا شخصيات نجحت محاولاً استغلال مقوّمات نجاحها ربّما عن غير قصد منه دون ان نتخطى التعثّر في “الكاستنغ” او اختيار الممثلين، فلم يكن الممثل المناسب في القالب والدور المناسب وظهر التفاوت واضحاً بين الثنائي الأساسي في المسلسل ترتّب عنه غياب الانسجام والتناغم بالشكل والسن والمضمون، ما اثّر سلباً على النسخة العربية من المسلسل التركي sadakatsiz حيث كان الثنائي آسيا (جانسو دره) وفولكان (جانير جيندوروك) اكثر انسجاماً وجمالاً وتفاعلاً على عكس أسيل (سلافة معمار) وسيف (قيس الشيخ نجيب) .
ومنذ انطلاق عرض المسلسل، انقسم المشاهد العربي على نفسه، بين مؤيّد للمسلسل الذي استهلكت قصّته وجالت العالم في نسخات أجنبية متعدّدة وبين مُعارض لم ترق له التوليفة التي أعادت خلق أحداث القصة على الرغم من أنّها أتت مطابقة لمواصفات النسخة التركية، مشهدًا تلو الآخر، كما لم يعجبه طاقم الممثلين الذين بدوا غرباء عنه وكأنّهم فُرضوا عليه فرضًا.
غير ان الطامة الكبرى تجلّت في التفلّت الحواري الذي طغى على ما عداه من خطايا تُحسب على صنّاع المسلسل ومنصّات عرضه. فالعمل انطلق مترنّحًا متحرّرًا من قواعد الرقابة المضبوطة على عقارب المبادئ الاجتماعية التي اعتاد عليها المُشاهد العربي. ومن داخل غرفة نوم الزوجَين، اي سلافة معمار وقيس الشيخ النجيب، رُسمت خيوط المَشاهد الجريئة التي ستؤلّب المُشاهد عليه، ولا بأس في ذلك طالما الأمر سيرفع من منسوب ترويجه، مروراً بمشهد القبلة الساخنة بين الزوجين في عيد ميلاد سيف وصولاً الى الحوار الخارج عن حدود اللياقة الأدبية في المعالجات الدرامية، لتتفوّق كلمة sex على عبارة العلاقة الحميمة او حتى “الجنس” بالعربية وتشقّ دربها في معجم السيناريو الحديث، في الحوار المدوزَن على مفردات التحرّر بين الطبيبة أسيل ومريضتها تيا حيناً وصديقتها جومانة حيناً آخر، وهو اصطفاف عبارات كان بالإمكان تفاديه لو أنّ المنصة التي يُعرض من خلالها المسلسل لم تتخلَّ عن تحفظّها على أخلاقيات لا ينبغي المسّ بها، فشرّعتها أمام العامة لغايات نجهلها مع العلم ان ذلك لا يعتبر تحضراً او تحرّراً انما عدم احترام لمجتمعاتنا العربية.
ربما من السابق لأوانه رشق المسلسل المولود حديثًا في ما قد يعتبره البعض تجّنٍ من قبلنا قبل ان يكتمل المشهد العام، لكنّ ما ظهر منه بعض عرض حلقاته الأولى التي دُفعت باتجاه المشاهد دفعًا، لا يوحي بفرجٍ قادم، إلّا إذا صدر عن الممثلين ما ينتزع من ذاكرة المشاهد تعثّره في حلقاته الأولى، لا اقتناصًا من قدرتهم على ذلك، وإنمًا إيمانًا منّا بأنّ القصة المعالَجة دخلت مرحلة الركود الدرامي ونهايتها محسومة في وجدان المشاهد، من نسخة Doctor Foster ، مرورًا ب Sadakatsiz التركي، وصولاً الى “الخائن” العربي.
قد يكون المسلسل قد احتل المراتب الاولى على منصّة “شاهد” منذ انطلاقته ولكن بتنا جميعاً موافقين على حقيقة ان المرتبة الاولى لا تعني ابداً تفوّق العمل على المستوى الابداعي، فالاعمال التجارية والمثيرة للجدل تأخذ مؤخراً حيزاً كبيراً من اهتمام ووقت المُشاهد العربي دون ان نتجاهل حقيقة ان الاعمال العربية المشتركة اثبتت في السنوات الاخيرة انها الأكثر جذباً على الشاشات والمنصّات على حساب كل الاعمال الأخرى سيما وان المحطات العربية تتقاعس مؤخراً عن انتاج اعمال قيّمة خارج شهر رمضان المبارك حيث تنفرد منصّة “شاهد” بإنتاج هذه الاعمال على مدار السنة. ولان هذا المتوفّر والموجود، لم نستغرب ان يحتل مسلسل “الخائن” المرتبة الاولى تماماً كمسلسلات المنصّة السابقة ك “ستيليتو” و”الثمن” و”كريستال”.
نذكر أخيراً ان العمل يجمع كل من سلافة معمار، قيس شيخ نجيب، مرام علي، ريتا حرب، جلال شموط، رولا بقسماتي، خالد شباط، إيلي متري، تاتيانا مرعب، جينا أبو زيد، وغيرهم.