تغطية خاصة- جوزيف عطية في “ألبوم حياتي”، متعة الاستماع الى تفاصيل الأسرار وشدوِ الغناء
“جهاد ومثابرة”.. عنوان اختصر به الفنان جوزيف عطية مسيرته الفنيّة اثناء حلوله ضيفًا على برنامج “ألبوم حياتي” مع الاعلامية ديانا فاخوري عبر منصة “صوت بيروت انترناشيونال”، مسيرة تخطّت عامها الـ ١٨، بدأها طالبًا على مسرح برنامج الهواة “ستار أكاديمي”، ولا يزال يشحنها بكمّ من الأغنيات الناجحة التي جعلته الفنان الأقرب الى جيله شكلاً وحضورًا وتفاعلاً ومواكبة للمزاج الفني العام في مختلف حالاته، الرومانسية والوطنية والاجتماعية.
وجمهور عطية ينتظره في حفلاته كما في حواراته التي يجيز فيها كافة انواع الأسئلة، يجيب على ما يطيب له منها بكلّ عفويّة، فيما يتلطى خلف ديبلوماسية هشّة حين لا يحلو له السؤال، فتبدر منه ابتسامة من يرفض ان يزعج الآخرين بزلة لسان او بهفوة لا داعي لها في زمن تغلب فيه العدائية على الصراحة.
وقد فتح جوزيف قلبه لجمهوره وللإعلامية ديانا فاخوري مستعرضًا صورًا ولقطات حصرية من ماضٍ جميل وحاضر صاخب بالنجاحات الغنائية والعلاقات الفنية والاجتماعية والعائلية والرومانسية، ليتحوّل الحوار الى جلسة مصارحة وكشف أسرار خاصة من دون ذكر أسماء، تاركًا للمخيلة ان تبحث من دون جدوى عن أجوبة لألغاز بين أحرف كلمات، سرعان ما يبددها صوت عطية الذي لوّن المقابلة بشدوٍ غنائي وأداء دافئ من أغنياته وأغنيات سواه.
وقبل ان تبدأ فاخوري بتصفّح ألبوم ضيفها، تسأله عن تشديده المستمرّ على الأغنيات اللبنانية باستثناء ما ندر من الأعمال المصرية والخليجية، فيجيب عطيّة بأنّ الواجب يفرض على كلّ فنان ان يؤدي أوّلاً لهجة بلده ومن ثمّ يواصل تمدّده الفني عبر أداء سائر اللهجات، مشيرًا الى ان حلم كلّ فنان الوصول الى مصر والعالم الخليجي. وعمّا اذا كانت أغنية “البغددة” قد سرّعت في عملية دخوله الى مصر، اعتبر جوزيف بأنه لا يمكن الجزم بأنّها قادته اليها بشكل حازم، لكنّها شكلّت له باب عبور لإحياء الحفلات فيها .
وتعود فاخوري لتنطلق من البدايات، من اوّل ظهور لعطية على مسرح “ستار أكاديمي”، فيصف الفنان تلك المرحلة ببطاقة تعريف الجمهور على موهبته وشخصيته، علمًا بأنه لم يتوقع فوزه بالمرتبة الأولى، رافضًا ان يكون قد لجأ الى الوساطة ليحقق الفوز، معترضًا على مبدأ الفكرة من أساسها. وفي المقابل اعترف جوزيف بأنّ علاقة ودّ جمعته بزميلته الراحلة ريم غزالي على مقاعد الأكاديمية، وهو شعر بالحزن الكبير على غيابها بعد ان ترافقا لفترة قصيرة من الزمن اثر انتهاء البرنامج.
وعما اذا كان عطية قد أخذ حقّه من الشهرة والحفلات، أكدّ بأنّه فعل من منطلق اكتفائه بما يقوم به بحبّ وسعادة، تشهد على ذلك أغنياته المنتشرة بقوة والطلب الكثيف عليه لإحياء حفلات في المهرجانات العربية الدولية والجولات الفنية في أنحاء العالم، معتبرًا بأن الالتزام بسلوك العمل العفوي يحمل أهمية كبيرة ودلالات في نجاح اي فنان، بعكس التخطيط المسبق في العمل وما يترتب عنه من نتائج معلبة .
وأضاف جوزيف بأنه لا يخاف من النجاح الذي يودي بصاحبه الى المحاربة من قبل الآخرين، فهو سبق ان عاش هذه التجربة في بداياته، لكنه أصرّ على عدم ذكر من قام بمحاربته مكتفيًا بالاشارة الى أهميته من حيث انتمائه الى فناني الصفّ الأوّل. لكنه اعتبر في المقابل بأنه فنان مسالم يتأثر بالإشاعات وتؤلمه الكلمة، وهو يعالجها على طريقته الخاصة. وعمّا اذا كان يشكّل خطرًا على زملاء له، رأى ان الزمن تغيّر وتوحّد حتى بات بإمكان الجميع أداء كافة الألوان، في حين تكمن قوة الفنان بقدرته على جذب العمل إليه بمختلف أدواته، سواء بخامة صوته أو بأسلوبه وطبعه والقالب الذي يضع نفسه فيه، وبالتالي فالأمر لا يعدو كونه حضورًا، بقدر ما هو عمل جميل يستفزّ الجمهور.
ومن أعمال الفنانين التي تستفزه او تعجبه او تجعله يحلم بمقارعتهم مكانة وأهمية، اختار جوزيف المطرب الكبير الراحل وديع الصافي مثالاً يحتذى به كرفعة انسانية توازي قيمة فنية، كما أثنى على حضور الفنان ملحم زين الفني، الذي كان قد أشاد به من على نفس الكرسي الذي يجلس عليه اليوم في البرنامج، وهو بالتالي يبادله نفس الشعور ويشاركه بيئة عائلية متقاربة. وعندما طلبت منه مضيفته الغناء للفنان الكبير اختار ان يؤنس الجلسة برائعة “ممنونك”.
ومن موضوع الى آخر يتشعّب الحديث، فيكشف عطية عن تمسّكه بهويته اللبنانية على رغم كلّ المآسي التي عصفت بالبلاد، وفي عزّ محاربة الآخرين لحيثيته الوطنية التي نأى عنها بعدم الردّ، مؤكدًا ان لا نية لديه بمغادرة وطنه حتى ولو أصبح أكثر تفهمًّا لأسباب هجرة الآخرين. وهو لا يزال يكتفي بأمور بديهية في بلده تسعده وتبعد عنه شبح الغربة.
وفي علاقته بأفراد عائلته، أكدّ جوزيف على تعلّقه الشديد بوالدَيه وبشقيقتَيه، وهو عانى الأمرّين من شقاوته اثناء طفولته. ومن الحديث عن العائلة الى البحث في انتمائه الإيماني المسيحي الذي يشكّل مدماكًا لسلوكه الاجتماعي والانساني، ما جنبّه الوقوع في الكثير من العثرات خلال الأعوام الثمانية عشر على امتداد مسيرته الفنية. وختم عطية الحديث عن ايمانه عبر ترنيمة “إليك الورد يا مريم” صدحت بصوته في أرجاء الاستوديو.
وفي موضوع الزواج، عبّر عطية عن رغبته وحبّه بالارتباط، لكنه يخشى من اسلوب التربية الحديثة الذي يتساهل مع الأبناء في كل ما يفعلونه، وهو في هذا الإطار ينتمي الى مدرسة التربية القديمة بثوابتها التي تناقض مبدأ التربية الحديثة. لكن الحديث في الزواج لا بدّ من يقود الى قلب عطية الذي بادر سريعًا الى نفي ان يكون عاشقًا في الوقت الراهن، مستدركًا بأن ثمة فرق بين الارتباط والالتزام في الحبّ. ويسترسل الفنان في سرد تفاصيل عن أحواله العاطفية مشيرًا الى انه لم يصل يومًا الى مرحلة الخطوبة، على الرغم من انه خسر علاقة حطّمت قلبه بسلوك عدائي من قبله عندما غادر تلك العلاقة بإرادته ما ضاعف من ألمه. وكشف عطية بأنه قادرٌ على مغادرة اية علاقة عاطفية حتى لو كان غارقًا في الحبّ، وهو فعلها ذات يوم في علاقة جمعته بإحدى الإعلاميات. كما كشف عن ناحية في شخصه تتجلى في كونه إنسانًا سريع الغضب والتهور والإرضاء في آنٍ معًا، علمًا ان الأمر لا يتطلب منه سوى ثلاث دقائق حتى يعود الى طبيعته. ولما أصرت فاخوري على معرفة هوية الاعلامية التي كان على علاقة بها فاجأها ممازحًا بارتباطه بأربع إعلاميّات.
وينتقل الحديث الى مواهب عطية الفنية الى جانب الغناء، فهو يعزف على الكثير من الآلات الموسيقية الموزعة في منزله، من آلة الطبلة الى البيانو والدرامز والبزق والغيتار، وعندما يمتنع عن العزف يشغل وقته بهواية الرسم. لكنه في كلّ ذلك لا يزال بعيدًا عن ملكة التلحين ، معترفًا بأنّه يلحّن ما يشعر به فقط، واعدًا بأن يجتهد على الموضوع ويفاجئ جمهوره بلحن من عنده .
وللقرية أهمية في حياة عطية، فهو يلجأ اليها للتنفيس عن احتقان لديه، لا سيّما عندما حورب عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث اختلى بنفسه لمدة ثلاثة أيام في بلدته ممارسًا إيمانه الديني الذي أعاد اليه سلامه الداخلي.
وفي موازاة حبّه للقرية، يبرز شغفه بالرياضة، لا سيّما منها رياضة كرة السلة، فالفنان من مشجعي فريق الحكمة منذ طفولته، يجاريه بذلك إعجابه بكلّ من اللاعبين اللبنانيين، وائل عرقجي، فادي الخطيب وايلي مشنتف، ومجموعة من اللاعبين الأجانب يتصدّرهم طوني ماديسون واسماعيل أحمد.
وفي موضوع فرضية ان تتأثر أغنياته بالمشاعر التي يعيشها، من حبّ وفراق، نفى جوزيف ان تكون اغنياته مستوحاة من حالات عاطفية متفرقة عبرت في حياته، لا بل هي انعكاس لعلاقات اجتماعية في محيطه. اما عن تعرضه للخيانة، فاعتبر بأنه ربما اختبرها من دون إدراك منه ومن دون اي دليل يثبت صحة حدوثها. لكنه عاد فاعترف بمبادرته هو أيضًا الى الخيانة في مرحلة من المراحل، الأمر الذي يستحيل عليه تكراره اليوم ، فخبرات الحياة تجعل الانسان اكثر نضجًا، وهو تعلّم من تجاربه السابقة واكتفى منها ويسعى لان يرتبط بعلاقة لا مكان فيها للخيانة. ويختم عطية في حديثه عن الحبّ مصرّحًا بأنه لم يجد بعد الفتاة التي يبحث عنها او ربما وجدها ذات يوم وخسرها بعد ان انتهى بها الأمر الى الزواج.
وتطول الجلسة لتصل بالضيف الى موضوع التشكيك برجوليته عندما سرت إشاعات عن شغفه بالرجال، غير ان ما أزعج عطية لا يكمن في محتوى الاتهام بحدّ ذاته بقدر صحة الإشاعة التي تناقض الواقع تمامًا. وعن حقوق المثليين، اعترف بحرية الآخرين مع التأكيد على ضرورة عدم تعميم سلوك واحد على كافة البشر.
ومن الحبّ وشجونه الى علاقاته بزملائه الفنانين، أبدى جوزيف تعاطفًا خاصًّا مع الفنان جورج وسوف الذي غالبًا ما يشيد به في مجالسه الخاصة وهو يبادله المودة نفسها عززها بأداء أغنية “جرحونا برمش عين”، بطلب من فاخوري.
وعن حفلة الفنان عمرو دياب في لبنان وما سرى حولها من انتقادات، اعتبر عطية بان ما حصل ظاهرة مألوفة لا تستدعي الاستغراب، والانسان بطبعه يميل الى المبالغة في تحجيم الأمور وتعظيم شأنها.
أما عن علاقته بالفنانة مايا دياب فاعتبر بان لقاءهما غالبًا ما يكون مميّزًا على الرغم من أنهما لا يجتمعان كثيرًا، وهي من الفنانات المجتهدات اللواتي يسهرن على صورتهن الفنية، شكلاً وأداء وحضورًا، الأمر الذي تقدّر عليه.
ومن هيفا وهبي التي يحترم فنّها، الى نجوى كرم التي تشكّل لديه حالة استثنائية، هي التي تبادله المحبة المطلقة وتثني على فنه وعلاقتها به أمام الكاميرا وخلفها، واصفًا اياها بالجبل على الساحة الفنية.
وينتهي الحوار مع جوزيف الى جوائز الموريكس دور التي حصد منها ثلاثًا خلال مسيرته الفنية، وبفضل مجهوده الخاص ومن دون منّة من احد او تقارب بفعل واسطة، نافيًا ان يكون في عداد المكرّمين هذا العام حيث يكون في الولايات المتحدة التي يزورها في جولة فنية.
وأبت فاخوري إلّا ان تختم جلستها مع ضيفها الكريم في الكلام كما في الغناء، فطالبته بتأدية مقطع من أغنيته التي سيطلقها قريبًا باللهجة البيضاء. وقد استجاب عطية لطلبها منشدًا المقطع الأول من الأغنية “ربع القلب يشكي التعب سهران يناديلك، تاني ربع ملّي الدمع وبحرقة يبكيلك، تالت ربع قاسي الطبع ويريدني انساك، آخر ربع ميّت وجع من الله يا ويلك”.