رأي- تخطّيا آداب البثّ التلفزيوني و”طلعت ريحتن”، “أهضم شي” و “لول” نحو مزيد من الهبوط الأخلاقي

اعذروني أعزائي القرّاء، لأنّني أناقش موضوعا ناقشناه كثيرا وعالجناه كثيرا، “ففالج لا تعالج” مللنا ومللتم منه، قرفنا وقرفتم منه، ولكن لا اسمح لنفسي بالتغاضي عمّا يحصل من سذاجة و سطحيّة و عفونة، على شاشاتنا اللبنانيّة التي نعتز بها ونفتخر!

لم يعلّمني أحد يوما، أنّني عندما أريد أن أضحك، عليّ أن أطلق العنان لمخيّلتي، حتى تبلغ الحضيض، وأن أعطي الحقّ للساني في أن “يقطع ويشلح”، ولم أتعلّم يوما أنّ الكوميديا والضحك والمتعة والمزاح لا يحصلون الّا عندما أقلّل أدبي، وأستغني عن أخلاقي، أو عندما أتحوّل الى كراكوز يرمي النّكات التي تبدأ من عند “الزنّار” وتنتهي على حافّة الهوس الجنسيّ والتفلّت الأخلاقي والاجتماعي!

كلّنا نمزح، وكلّنا نتبادل النّكات، وبشكل يوميّ فيما بيننا، وكلّنا نضحك ونلعب ونهرب من جديّة العمل وقساوة الحياة، ولكنّ نكاتنا ليست كلّها جنسيّة، واباحيّة، و سطحيّة، فارغة من كل شيء الا من العفن اللغوي!

ولو كان باستطاعتي لنقلت لكم حرفيّا الكلمات التي كانت تمرّ على الهواء امس الاحد على شاشتين محترمتين هما الأ م تي في وأو تي في ،ضمن برنامجي “لول” و “أهضم شي” ، خاصة “لول”حيث مرّر الأستاذ “هشام” مذيع البرنامج شتيمة لا نسمعها حتى في الشوارع، وتمّ تغطيتها بنغمة موسيقيّة، أبقت على معالمها اللفظية وحتى السمعيّة واضحة. كذلك “وصفة” السيّدة “انطوانيت” في “أهضم شي” ، امس تخطّت الحدود، وتجاوزت آداب اللياقة الضروريّة في الاطلالة التلفزيونيّة، ووصلت الى مستويات متدنيّة جدا!

وانا أؤكّد ان البرنامجين تماديا كثيراً وتحولا الى بورصة في النكات الجنسية التي تسمي الاعضاء التناسلية باسمها و”التوت” يبدو سخيفاً و “يستهبل” الناس، الا ان كان يعتقد القيمون على البرنامجين ان المشاهد يتابع البرنامج من غرفة مجاورة فبوضع “التوت” على العبارات المقزّزة، لن يفهم شيئاً …

فالبرنامجان “خلص طلعت ريحتن” و”كل شي زاد عن حدّو نقص”، “تسلينا كتير يعطيكم العافية بس خلص قرفنا!!”، فهل تستمر الرقابة اللبنانيّة بالسماح ، تحت مسمّيات حريّة التعبير والاعلام، بأن تمرّ هذه العبارات والكلمات على الهواء؟

و المصيبة الأكبر أن الأستوديوهات تغصّ بالحاضرين من الشباب الجامعيّين والشابات الجامعيّات، وحتى من المراهقين تلاميذ الثانويات، وهم الذين يصغون ويتعلّمون ويصفّقون ويشجّعون هذه البرامج ويغرفون منها علما وثقافة ووعياً، وأهمّ شيء، ثقافة المزاح والقاء النّكات الرفيعة المستوى!

لن أطيل الكلام، ولكنّني أطالب المشاركين في هذين البرنامجين، أن يحترموا أنفسهم أوّلا، قبل أن يحترموننا، و أن يعوا أنّهم على شاشات تلفزة تنقلهم الى كلّ العالم، و ليسوا في “بار” ولا في الشارع، وعتبي كبير ليس على هشام وأرزة، اللذين بحثا عن الشهرة وحصلا عليها، بل على الاعلاميّة “ميراي مزرعاني” التي هزّت الصورة التي رسمتها في عقولنا خلال سنوات عملها الطويلة الماضية، واختارت أن تطلّ علينا ببرنامج لا يليق لا باسمها ولا بالمحطة الي تطلّ من خلالها، وعتبي أكبر لأنها خرجت أكثر من مرّة لتصرّح وتؤكّد أن البرنامج يشبهها وأنّها ترافق الموضة السّائدة!

ويبقى أن نشيد بال “ال بي سي” التي خالفت السّائد و تجرأت أن تقدّم برنامج “ستاند أب كوميدي” بعنوان “بلا مزح”، تقديم الخفيفة الظلّ “زينة دكّاش” و المهضوم “جو قديح”، الذي يلقون النّكات المحترمة النظيفة والممتعة و يمرّرون لطشاتهم السياسيّة والاجتماعيّة بذكاء وخفّة دمّ، ويحظى برنامجهم بنسبة مشاهدة مرتفعة، ما يثبت أنّنا قادرون على اضحاك النّاس وامتاعهم، دون اللجوء الى النكات الجنسيّة والجريئة جدا…وهذا يعني أن الجمهور “مش عاوز كدا”، بينما المحطات وأصحاب رؤوس الأموال هم من يريدون ذلك!

لا شك ان تجربة “لول” و”أهضم شي” احدثت انقلاباً في عالم التلفزيون وثورة في عالم التجارة والماركتينغ وهما دون ادنى شك يحققان اكبر نسبة مشاهدة ولكن هذا ليس كافياً لتصنيفهما ” ناجحين” و”مكسرين الارض” ، فهما لا يليقان بمحطتين محترمتين وليسا على مستوى ثقافة اللبنانيين ووعيهم وأخلاقهم وذكائهم، وان كانت الاعلانات الكثيرة هي حجة هذه المحطات وأدّلتها الدامغة والسبب لاستمرار البرنامجين ، فالحري بهما اي “أو تي في” و”أم تي في” التعاقد مع راقصة “ستريبتيز” قد تفي بالغرض أكثر وتحقق أرقاماً قياسية بنسبة المشاهدة والاعلانات.

وتصبحون على وطن….

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com