“تضامن بلا حدود”… إضراب نسائي عربي احتجاجًا على جرائم قتل النساء
مقالات مختارة: مستوى العنف غير عادي، لذا يجب أن يكون تحرّكنا غير عادي، وخسارتنا مهما كانت، لن تكون أعظم من خسارة النساء لأرواحهن”. بهذه الكلمات دعت مجموعات نسوية وناشطون في مجال الدفاع عن حقوق المرأة إلى إضراب نسائي في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. الدعوة للتحرّك تأتي بعد قتل أكثر من ثماني نساء، ستٌّ منهنّ على يد أزواجهنّ، في الفترة الممتدة بين ٢٤ و٣٠ حزيران الماضي. جزء من هذه الجرائم أثار ضجّة إعلامية كبيرة كقضيّة نيّرة أشرف في مصر وإيمان أرشيد في الأردن. بقيت جرائم أخرى مغمورة كقضية قتل سهام على يد زوجها صابر بأكثر من مئة طعنة في منطقة الأميرية بمصر.
وبحسب صحيفة “النهار” وتحت عنوان “تضامن عبر الحدود” أعلنت نسويّات وجمعيّات تعنى بحقوق المرأة يوم ٦ تمّوز يوماً للإضراب النسائي العام تضامنًا عابرًا للحدود احتجاجًا على جرائم القتل. يمكن المشاركة بالإضراب من خلال اختيار فكرة أو عدّة أفكار منها: الامتناع عن الذهاب إلى العمل، والامتناع عن القيام بالأعمال المنزليّة، وتنظيم وقفات احتجاجية، وصناعة فيديو أو صورة وإرفاقها بالهاشتاغ الخاصّ بالحملة… بحسب البيان الذي نُشر على الصفحات التي أُنشئت لهذا الإضراب.
لاقت دعوات التحرّك ردود فعل إيجابية في عدد من الدول العربيّة، لا سيّما لبنان ومصر والأردن. حيث أفسح ذلك مجالًا أمام الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم قضايا النساء وحقوقهنّ، مطالبين بمشاركة الجميع بالإضراب. كما اعتبر الكثير أنّ حكم الإعدام على قاتل نيّرة أشرف لا يكفي، بل على الجميع المشاركة في الإضراب لنصرة جميع النساء وكي لا تتكرّر هذه الجرائم.
في المقابل، اعتبر آخرون أنّ هذا التحرّك لا يمت للواقعيّة بصلة ولن يحقّق أيّة نتيجة. ففي موقف أولئك الذين لا يؤمنون بالتحرّكات النسويّة، يظن العديد أن هذا الإضراب ما هو إلّا عَراضة إعلاميّة. قد ينجح الإضراب وقد يفشل، إلّا أن الثّابت هو أن البقاء مكتوفي الأيدي أمام مسلسل قتل النساء ينتقل من المحيط إلى الخليج غير مقبول. كذلك، تكريس عقليّة “مع أو ضد” في كافّة القضايا المرتبطة بالنساء ما هو إلّا عائق إضافي لإنصاف المرأة.
من بعد نشرها دعوة للإضراب على صفحتها على “فيسبوك”، لاقت ريم محمود الناشطة النسويّة العالميّة دعمًا كبيرًا من مختلف الناشطين. أسّست صفحة “نسويّات سوريّات” عام ٢٠١٨ التي تُعنى بقضايا النساء السوريّات، وتَعتبر أنّ الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد كافية، بل المطلوب هو التحرّك على الأرض. أكثر من ٢٢ ألف شخص وجمعية تسجّلوا للمشاركة في إضراب ٦ تمّوز. وبلغ عدد المنظمين أكثر من ٣٠ شخصاً ووجهة. تفاجأت ريم بالمشاركة الواسعة لدول مثل الجزائر وليبيا وموريتانيا وغيرها.
الدعم لم يُحصر فقط بالناشطين والجمعيّات، بل طال شخصيّات رسميّة أيضًا. فتواصلت السفيرة الفلسطينية في كندا منى أبو عمارة مع ريم وأكّدت لها التزامها إلى جانب الموظّفات في السّفارة بالإضراب يوم الأربعاء. تنتظر ريم أن يوصل التحرّك رسالة للمجتمعات العربيّة بشكل عام، وللحكومات المتواطئة خصوصًا. وتضيف: “هذه الحكومات تتجاهل جرائم القتل التي تواجهها النساء وتراهن على الذّاكرة القصيرة للناشطين، الّذين يتفاعلون لمدّة محدودة على مواقع التّواصل ومن ثمّ ينسون”. وتعتبر أنّ العقوبات الّتي تطال المجرمين ليست كافية، وأكبر دليل على ذلك ما شهدناه موخّرًا.
“نحاول من خلال هذا التحرّك ترك أثر طويل الأمد، والهدف الأساسي عقد جلسة طارئة تضمّ الجهات المعنيّة ونسويّات من كل بلد لوقف هذا الإجرام”، تقول ريم. وتضيف: “أنّ عدم عقد هذه الجلسة سيؤدّي حتمًا إلى المزيد من الجرائم فالقتلى يشجّعون بعضهم البعض، وجرائم مصر أكبر دليل على ذلك. وتختم: “ما شهدناه في هذه الفترة هو مسلسل دموي وأعتبره رسالة لكل شخص، يطلب منّا التوحّد والتحرّك فورًا. البداية ستكون من إضرابنا يوم الأربعاء”.
يذكّرنا المشهد العربي اليوم بدوّامة من القضايا المَنسيّة التي تطال فئات مهمّشة من المجتمعات. فالسلطات التي لا تضع خططًا لمواجهة المشكلات المكرّرة وقطع شرشها، لن تصل بشعوبها إلّا للهلاك. اليوم ينتظرنا إضراب يوم ٦ تمّوز نصرةً للنساء، ربّما لن يكون علاجًا حاسمًا للجرائم، إنّما أصوات تعلو وتُسمع. هذه الصرخة النسوية واحدة من بين المئات التي تتطلّب دعمًا شاملًا، كي لا تصفى مَنسيّة في مقبرة الأحلام، كسابقاتها. (نقلاً عن صحيفة النهار).