رحلة بحث شيطانية عن الحب والنجاح … الكوكايين ضريبة أن تكون فناناً

لم أكن يوماً بعيدة عن أجواء الكوكايين، وعلى الرغم من أنني لم أجربه، إلا أنني أعرف ما يثيره من نشوة مؤقتة، نتيجتها المستقبليّة تلف لخلايا أساسيّة في مركز اللذة في الدماغ.
لن أطيلَ الحديث عن مضار الكوكايين، كما كنتُ أفعل سابقاً من خلال برامجي الإذاعية والتلفزيونية. لقد إكتشفتُ أن الحديث من تلك الزاوية لا جدوى منه، أقلّه بنظري. فقررتُ تغيير الإستراتيجيّة، فأغرمتُ بعاشق الكوكايين.
تخطّيت خوفي من المدمن، صرتُ أخاف عليه وأحاولُ فهمه، ربما أصلُ الى نتيحة. حربي مع تلك المادّة كبيرة، وأظن أن الحب هو أقوى وسيلة للفهم والعلاج.
أذكرُ جيداً اللحظةَ التي تبدّلت فيها نظرتي للمدمن، لم أعد ألومُهُ أو أحكم على سلوكِه كما علّمني المجتمع. لم أعد أراه مسخاً مُشوّهاً، يُرعب بسلوكِهِ اللامنطقي والمتناقض، كل من حوله فيضحكُ تارةً كالطفل، وينقضّ طوراً بعدائية غير مُبرّرة كذئبٍ كاسر.
كنت أحضرُ أوّل درسٍ تمهيدي لي في العلاج بالطاقة الكونيّة أي Reiki وهو طبّ بديل بنظر البعض، ومكمّل بالنسبة للبعض الآخر. أذكر جيداً كيف صدمني معلّمي بجملةٍ طُبعت بقوةٍ في داخلي بخاصّة أنني أعمل في المجال الفني، قال:
” من يدمن على الكوكايين هو فنان”. وشرح أن الفنان يُولد بروح لا يمكن أن يحويها جسدُهُ، لأنها أكبر من الجسد. فيلجأ للإدمان كأسهل وأسرع طريق، ليوازن بين روحهِ وجسدهِ، فيتفجر إبداعُهُ ويسهل عليه التعبير فيبتعد مؤقتاً عن حالات الإكتئات التي ترافق الكثير من الأحيان كل من يعمل في الحقل الفني من موسيقى، أو غناء، أو إخراج، أو كتابة ليدخل بعد ذلك الى دهليس ضياغٍ لا ينتهي.
وهنا أشيرُ الى أن التوازن بين الروح والجسد هو الهدف المرجو من العلاج بالطاقة الكونيّة، لأن التوازن هو العلاج الوحيد لكافة الأمراض مهما كانت، وأهمّ ركائزها هذا العلاج هو البحث عن السبب الأساسي وراء كافة الأمراض النفسيّة والجسديّة والروحيّة والشيطانيّة والجراحات الخفية والعادات السيئة التي يمارسها الإنسان وهي مسألة لا يعالجها الطب الغربي بنفس الأسلوب، إذ يكتفي بتسكين الآلام، وإستئصال الأورام من خلال الجراحة من دون السعي في غالبيّة الأحيان، لكشف السبب الحقيقي وراء كل مرض، والذي يربطه العلاج بالطاقة الكونية، بالتوتر والمشاعر السلبيّة، وهي وحدها تغذّي المرض، وتجعله يسكن في إحدى زوايا الجسم أو الروح، وذلك بحسب شخصية الإنسان وكيفيّة تلقيه لمشاكله، إن من خلال عاطفته أو عقله أو جسده.
ولكن ما ذكره معلّمي ليس تشجيعاً للمدمن، ولا يبرّر أبداً إدمان الفنان، لأن هناك أساليب مختلفة يمكن من خلالها تخطّي تلك المشكلة الجسديّة الروحيّة، نذكر منها بكل بساطة التأمّل، اليوغا، التواجد في الطبيعة، وأي ممارسة دينيّة روحيّة من خلال الصلاة.
“فالفن أبن الوعي” كما كان يقول الراحل الكبير عاصي الرحباني الذي لم يُدمن يوماً لا هو ولا توأمه الفني منصور الرحباني بحجّة صناعة الفن. وأذكرُ جيداً تلك الجملة، كان يكتبها الراحل منصور ويضعها على حائط كواليس كل عمل مسرحي، كرسالة جميلة لكل فنان يتعامل معه.
وبدأتُ رحلة بحثي عمّا تخفيه تلك المعادلة الصعبة، التي ذكرتها مادونا في كتاب سيرتها الذاتيّة بعد أن إتهمها كثيرون بأنها مدمنة. إعترفت مادونا أنها جرّبت “الكوكايين”، لكنها رفضت الإدمان بعد أن رأت أنه يُفقدها تركيزها.
وصرتُ أرى بوضوح نتيجة فقدان التركيز لدى بعض نجوم الفن، وآثار تلك المادة في عيون وقلوب وأعمال بعض من يقف على المسارح، أو يعمل أمام أو وراء الكاميرات. واليكم ما إكتشفت، لأنني لا أريد أن تبقى خيوط تلك المعرفة التي حاولتُ حبكها خفية عنكم.
فمن يُعالج من خلال الـ Reiki أي الطاقة الكونية، يشرح أنّ من يلجأ الى الإدمان بشكل عام هو شخصَ يحتاج الى عيش شعور وفاء من حوله له. أما مادة الكوكايين تحديداً فيختارها الباحث عن الحب والنجاح المهني. فالمدمن هو إنسان عاجز في حالته الإنسانيّة، ومن خلال إستخدامه لطاقاته الطبيعيّة أن يحقق رغباته. ولأنه يخاف من الفشل في الحب والمهنة، يلجأ الى ما يجعله يستعيد ثقته بنفسه. وهنا أنوّهُ بأن من يختار الكحول أو الحشيشة، هو شخص يعاني من مشكلة في مفهوم الحريّة. أما الـ LSD والهيرويين فهو خيار من يسعى لتوسيع آفاق وعيه، لكن بأسلوب غير صحي طبعاً. ويختم معظم المعالجين بأسلوب الـ Reiki تحاليلَهم بنتيجة واحدةٍ، وهي قلة ثقة المدمن بقدراته وفقدانه شبه التام لثقته بنفسه ولقوة الإرادة، لدرجة اللجوء الى ما يغلّف ضعفه بهدف تحقيق أهدافه. وينصح هؤلاء المعالجون بممارسة أنواع مختلفة من التأمّل بهدف الوصول الى مرحلة يصدّق فيها المدمن أنه يستطيع أن يحقّق أهدافه بمفرده، ومن دون مساعدة خارجيّة مهما كانت.
أمّا علماء النفس، فيرسم بعضهم ملامح المدمن على أنه هارب تعرّض في طفولته الى كبت لقدراته، لشدّة رغبة الأهل في حمايته، والى رفض عائلته لأفكاره وأحلامه، حتى بات يشعر أنه لا يستحقُّ أن يكون موجوداً أو محبوباً، فيهرب من كل من يحبّه أو يخاف عليه الى عزلته، ويبدأ لعبة الإنتحار البطيء. ننوّه أنّه من السهل كشف هوية هؤلاء، فهم يعيشون وحدةً قاتلة، رغم أنهم في مجتمع يحيطهم فيه آلاف. ينتقلون بسرعة من حالة حبّ كبير الى حالة كره واضح. يشكّ أصحاب تلك المشكلة بكل من حولهم، كما يشكّون بأن يعتبرهم البعض أصدقاء حقيقيين فيبحثون عن خلفيّات كل علاقة، ويتعجّبون من فكرة أن يتمّ تقديرهم من دون غاية. ومن الضروري في هذا المحور التوقّف عند دور الأهل، خصوصاً أن لكل واحد مهمة محّددة. فإذا إنقلبت الأدور، فُقِد التوازن ليحمل الطفل عقدة من الفرد الذي هو من جنسه، أي يحمل الصبي عقدة الرفض من أبيه، والبنت من والدتها.
أما دور الأهل فهو بحسب جنس كل واحد، بحيث يُعلّم كل واحد الأولاد الذين هم من نفس جنسه، كيف يقدمون الحب، أما الأهل من الجنس الآخر فيعلمون الأولاد كيف يتلقّون الحبّ وكيف يحبّون أنفسهم. مثلاً لو كانت للعائلة صبي، فمهمة الأب أن يعلمه كيف يحبّ وكيف يعطي الحبّ لغيره. أما دور الأم فهو أن تعّلم إبنها كيف يتلقى مشاعر الحبّ من الآخر. والعكس صحيح لناحية أن يكون للعائلة إبنة.
ويبدأ الشفاء من تلك العقدة عندما يأخد من تعرّض للرفض في طفولته مكانه الذي يليق به، فيقتنع أن لكلٍّ مكانته وكيانه كشخصٍ موجودٍ وله فائدة.
أما الروحيّون، طاردو الأرواح والشياطين بالطريقة العلميّة الدينيّة، وأقصد بذلك غير المشعوذين، فيعتبرون أن من يدمن على الكوكايين أوالكحول أوالدخان أوالمهدئات، هو شخص تمتلك روحه مجموعة من أرواح الموتى، الذين لم ينجح في الإنفصال عنهم لحظة موتهم، أو حتى لم يتقبّل غيابهم أو فظاعة طريقة الموت. ولو أردنا العلاج من خلال هذه الطريقة الروحيّة وليس الروحانيّة، فعلينا أن نفصل أنفسنا عن كل التذكارات والصور والأغراض، التي تربطنا بمن رحل فنتصالح مع فكرة الغياب، كيف لا نعيش حياتنا مع الأموات. مع التنويه بأهمية الخضوع لجلسات صلوات روحية غير سفلية فلا نستعين بدجّالين يمارسون فن الشعوذة، ويصنعون الحجابات والكتابات لقاء تقاضي الأموال. فالملاك المتقلد حراستنا لا يضع الشروط، ولا يحتاج لممارسة أعمال شيطانية ليحمينا بل يحتاج فقط لذكر الله وطلب الإستعانة به.
وفي النهاية، يبقى الكوكايين ضريبة ولادة إنسان، وفي جسده روح فنان حساس، لكنه ضعيف وخائف لا يقبل مواجهة ضعفه، ولا الخسارة، ولا الرحيل، ولا الفشل، ولا الرفض، وكل ما يحتاجه هو لحظة حب صادقة تعيد ثقته بنفسه وبالناس.

تحقيق نُشر في مجلة “الجرس” في العدد 294 ويعيد نشره موقع “بصراحة” لأهمية المعلومات التي وردت فيه.