الاختصاصية في علم النفس العيادي ميرا هاشم تؤكّد :تعنيف المرأة والطفل لن يحلّ القضيّة بل سيزيدها تعقيدا
ثقافة العنف التي يتفيّأ البعض تحت ظلالها، والتي تعتبر”الضرب” الوسيلة الأنجع لبناء شخصيّة الطّفل والتفاهم معه، والطريقة الأنسب للتعامل مع المرأة في بلاط قصور بعض الرّجال، تهدّد مجتمعاتنا بمزيد من التخلّف والرّجعيّة وتبشّر بنشوء أجيال تتخذ من العنف دستورا لقيادة مجرى حياتها.
انّها الثقافة نفسها التي تهدّد أوطاننا بالوقوع مجددا بين انياب “الحرب الأهليّة” والتي تعدنا بالمهالك اذا ما استمرّت النّسب والاحصاءات بالارتفاع!!
قصدنا الاختصاصيّة في علم النّفس العياديّ “ميرا هاشم” في عيادتها للوقوف على ارائها وللغوص في دور “علم النّفس” في حلّ هذه المعضلة والحيلولة للحدّ من آثارها ونتائجها علينا وعلى مجتمعاتنا!!
ما هي برأيك أسباب انتشار “ثقافة العنف” في لبنان؟
أعزو الأمر الى ما مرّ به “لبنان” خلال السّنوات الطويلة الماضية، والى ما واجهته مدينة “طرابلس” من حروب وأحداث مؤلمة وصدامات.
فضلا عن التشنّجات السياسيّة والتجاذبات التي طبعا تنعكس على الشّارع اللبنانيّ، وبالتالي تجعل الانسان على استعداد دائم للاعتداء أو الانفعال!!
ما هي الايحاءات التي تردك من الطّفل أثناء معالجته، والتي تساعدك على اكتشاف تعرّضه للضرب او الاعتداء؟
هناك حالة صادفتني مؤخرا، تتمثّل بطفل يعاني والديه من انزوائه في المدرسة و حتى في المنزل، وقد اكتشفت مع مرور الوقت، أنّه يتعرّض للضرب من قبل والده، رغم أنّ الوالد شخص محترم جدا ورصين، الّا انّه يؤمن بأن الضرب هو الوسيلة الأنجح لتأديب الطّفل، كما ترعرع هو في طفولته. كما وصدم لأنني لم اتعرّض للضرب في طفولتي، فسألته عمّا اذا كان الطفل يستجيب لأوامره بعد الضرب،فأجاب بالنّفي!!
ما هي برأيك الطّريقة الأفضل للتواصل مع الطّفل؟
الحوار و التّساهل في التّعاطي مع الطفل هي أفضل وسائل التربية والتي يجب أن تعتمد. مثلا، جاءني طفل يعاني والديه من عدائيّته تجاه زملائه في المدرسة، وبعد عدّة جلسات، اكتشفت أنّه يتعرّض للضرب، رغم أن والديه لم يبوحا لي بذلك، بل لم يتصوّروا حتى أن معاملتهم القاسية له ،هي سبب عدائيّته!!
هل للعنف درجات؟ وما هي الرّسائل التي تجعلك تصلين الى اكتشاف تعرّض الطّفل للاعتداء الجسدي؟
طبعا، تبدأ الضربة على المؤخّرة، فتتطوّر الى القدمين، ثمّ الى الكتفين، ثم الوجه والرّأس!!
كما أكتشف تعرّضّ الطفل للضرب من خلال سلوكه، مثل انزوائه او تراجع ادائه في المدرسة، او تراجع مستوى تركيزه على الأمور التي تحيط به، وغيرها من الرّسائل التي يرسلها الطّفل من خلال ردّات فعله.
أين تصنّفين الشخص الذي يتعرّض لطفل بالضرب، أهو مجرم أم مريض؟
طبعا لا يمكن أن نصنف كل انسان يضرب من ضمن الأشخاص المجرمين. كما يمكن أن تؤدي هذه الطريقة إلى ارتكاب جريمة عن قصد أم عن غير قصد. ولكن نستطيع أن نقول بأن منهم من يعانون من مرض”الانفصام في الشّخصيّة ” يمكن أن يعتقدوا بأنّ كل من يحيط بهم يودّ ايذاءهم أو يخطّط للتخلص منهم، لذلك يعنّفون الآخر وقد تصل بعض الحالات الى ارتكاب جريمة القتل!!
هل لألعاب الكومبيتر والبلايستايشن، كما برامج المصارعة وأفلام الأكشن أثر في بناء غريزة العنف لدى الطّفل اتجاه الآخرين؟
مئة في المئة، هذه البرامج والألعاب تنمّي العدائيّة لدى الطّفل، الذي يلجأ الى تقليدهم والاقتداء بهم، فيقوم بحركاتهم ويصبح لديه ردّات فعل سريعة اتّجاه كل ما يدور حوله!!
لذلك أنصح الأهل بأن يقوموا بمراقبة وسائل ترفيه الطفل لأنّها حتما قد تجعل منه يوما ولدا” عنيفا!!
عندما يقصدك رجل يعاني من اضطرابات في سلوكه أو عقد معيّنة جرّاء تعرّضه للضرب في صغره، كيف تتصرّفين وأين يكمن دورك؟؟
صادفتني حالات كثيرة، فهناك رجل قصدني يعاني من عدائيّة مفرطة تجاه صديقاته أو بالأحرى حبيباته، وهناك رجل آخر مقدم على الزواج ولديه هاجس تعنيف زوجته أو التعرّض لها بالضرب في المستقبل.هنا يكمن دوري في مساعدة الشخص المعني على تحليل أسباب عدائيّته اتّجاه الآخر، كما احاول أن اجعله يفهم الشخص الذي كان يعنّفه، لا أن يتفهم ويتقبل قسوته، بل يفهم الاسباب التي دفعت به الى تعنيفه
المرأة ليست بجارية
رغم كلّ التطوّر والانفتاح الذي وصت اليه مجتمعاتنا، الا أن الاحصاءات تؤكد وجود نسب مرتفعة من النّساء اللواتي يعانين من تعنيف أزواجهن لهن، ما هي الأسباب التي تدفع الرّجل لاستخدام أسلوب الضّرب؟؟
بكل صراحة، تتعدد الأسباب !! ومن خلال تجربتي حتى الآن أرى في معظم الحالات أنّه يضرب زوجته لأن والده كان يضرب والدته، وأقرباؤه كذلك، ومحيطه يتّبع هذا الأسلوب في التعامل كطريقة لحل مشكلة أو تصحيح ما يزعجهم…
عندما تقصدك امرأة تعرّضت للتعنيف من قبل رجل،أكان زوجها،والدها أو اخاها، بم تنصحينها وهل تشجعينها على التقيّد بالمثل الشائع “العين بالعين، والسّن بالسّن، والبادي أظلم”؟؟
أنصحها بأن تدافع عن نفسها قدر المستطاع، او ان تحمي نفسها منه، ولكن لا استطيع أن أشجعها على ضربه اذا ما ضربها، لأنّه غالبا ما تكون بنية المرأة الجسديّة أضعف من بنية الرّجل، كما أن استخدام العنف للردّ على العنف لن يحلّ القضيّة بل سيزيدها تعقيدا، عليها امّا أن تتحايل على من يعنّفها وتجد أسلوبا للتعاطي معه، وامّا أن تتركه وتطالب بحقوقها الانسانية عبر القضاء، ومن خلال القانون !!
هناك نوعان من العنف، العنف الكلاميّ والعنف الجسديّ، أيّهما أصعب ولديه الأثر الأبلغ على نفس المرأة؟؟
لكلاهما التأثير نفسه، لأنّه عندما يتعرّض الرّجل للمرأة بالعنف الكلاميّ، يحطّ من قدرها، ويدوس على كرامتها، ويهدم لها شخصيّتها وبذلك يوازي آثار التعنيف الجسديّ.
أخيرا،ما هي نصيحتك لكل والد أو والدة يستخدمون العنفكوسيلة للتفاهم مع أطفالهم؟ وكذلك لكل رجل يضرب المرأة ويعتدي عليها؟
أولا أنصحهم بأن يفكروا لدقيقة واحدة ويذكروا أنفسهم عندما كانوا أطفالاً ويحاولوا أن يختبروا من جديد الأحاسيس الناتجة عن تعرضهم للضرب.
ويجب أن يعلموا ان الطفل لايميّز بين الممنوع والمسموح، وهو في مرحلة التعلم علينا أن نناقش معه الأمور فهو مستعد للسماع والتطبيق،
الصبر هو صديق التواصل.
أنصح الرجل الذي يعنّف المرأة، بكل بساطة أن يفهم بأنه بحاجة للمساعدة من قبل اختصاصي.