تحقيق خاص-بعد السماح بعرض فيلمي (نوح) و(ابن الله) في لبنان نسأل:هل عدوى التكفير أتت مع الرياح الشرقية فاجتاحت العقول الخريفية والربيعية على حد سواء؟

تستمر “هوليوود” بانتاج الأفلام السينمائية الدينية التي تصدّر إلى العالم أجمع إلا أن ردات الفعل على هذه الأفلام أو وجهات النظر حولها تختلف بين بلد وآخر . ففي حين تنظر معظم المجتمعات الغربية إلى العمل السينمائي كتحفة فنية فتتفاعل مع الجزء الاخراجي منه ومع رؤية المخرج للموضوع المتناول، تهتم المجتمعات الشرقية والعربية بمدى ترجمة المخرج للنص “الانجيلي” أو “القرآني” بما يتناسب مع تعاليم الأديان السماوية وعدم تحريفها أو تحويرها، ذلك لأن هذه المجتمعات المتدينّة التي مازالت شعوبها تتقاتل باسم الدين والطائفة ليست حاضرة بعد لتقبل أي رؤية لأي موضوع ديني تختلف عن رؤيتها.

حاز كل من فيلمي “نوح” للمخرج دارين أرنوفسكي ، و”ابن الله ”  Son of God للمخرج كريستوفر سبنسر على نصيبٍ وافٍ من التعليقات والجدل حولهما لحد منع عرضهما أو الطلب بعدم مشاهدتهما. فمُنع فيلم “نوح” من العرض في عدد من الدول العربية والاسلامية منها قطر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة وباكستان. كما أصدر “جامع الأزهر” في مصر فتوى بتحريم عرضه، انطلاقا من رفضه لعرض أي أعمال تجسد انبياء الله ورسله وصحابة الرسول.
وفي لبنان وبعد تحفظات دينية اسلامية تعارض تجسيد الأنبياء، أجاز الأمن العام اللبناني عرض الفيلم شرط إضافة جملة أن “الفيلم من وحي الانجيل وبرؤية المخرج” ، وسيبدأ عرضه في الصالات اللبنانية في العاشر من الشهر الجاري .

أما فيلم “ابن الله” الذي بدأ عرضه في الصالات وتوافد اللبنانيون لمشاهدته لزيادة اهتمامهم بأي موضوع أو عمل يتعلق بالسيد المسيح في زمن الصوم، اثار جدلا واسعا من قبل بعض المؤمنين المسيحيين وبعض الكهنة. فرأوا ان المخرج اجتزأ الكثير من قصة السيد المسيح، كما أنه لم يترجم النص الانجيلي كما هو بل كان التنفيذ مغايراً ويحمل اجتهادات عدة. وانتقد البعض صورة الفيلم من ناحية “العصرية ” التي ظهرت على الممثلة التي جسّدت دور مريم العذراء، ففي حين اعتاد المشاهد على ظهور كل ممثلة تجسد دور السيدة مريم العذراء بمظهر بسيط وبريء ، ظهرت في فيلم “ابن الله” ، مصففة الشعر وباديا على وجهها “البوتوكس ” .

وأبرز التعليقات المهاجمة والرافضة لبعض المشاهد تلك الانتقادات عن بداية الفيلم حول البشارة وتوصيف وضع العذراء ودور يوسف . إلا أن المستغرب أن هذا المشهد كامل غير موجود في الفيلم المعروض في صالات السينما، بل موجود ضمن فيلم منتشر على أقراص مدمجة اي DVD ( دي.في.دي.) . وما أثار سخط وغضب المسيحيين الذين شاهدوا هذا الـ(دي.في.دي. ) أن ترجمة كلمة يسوع من الانجليزية إلى العربية كانت “عيسى” ، أما في الفيلم المعروض في السينما فالترجمة صحيحة وسليمة ولم تذكر كلمة “عيسى” ولو لمرة واحدة، بل تمت الترجمة تماما كما يذكر الانجيل الكلمات عن “ابن الله” ، وهي “يسوع الناصري” و”المسيح”.

فكيف ينتقد الفيلم وتهاجم الجهات التي وافقت على عرضه على أساس مشاهد وترجمة موجودة على (دي.في.دي.) غير منشر رسميا ولا يتطابق مع الفيلم الأصلي الموجود حصرا في صالات السينما؟

خوري: الأب مروان خوري اشار عبر شاشة “التيلي لوميير” الى أن “الفاتيكان أصدر تعميما بأن الفيلم غير مسيحي وأنه مبطن برسائل تشوّه صورة المسيح وتعاليمه، فيتم من خلاله نقل الفكر الماسوني-اليهودي وليس التفكير اللاهوتي المسيحي”، وطلب من المسيحيين والرعايا والمدارس كافة “مقاطعة الفيلم وعدم مشاهدته إذ لا يمكن ايقاف عرضه لأنه لا يتضمن هجوماً مباشراً بل هجوماً مبطناً على التعاليم المسيحية”.

ابوكسم: من جهته، لفت رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو أبو كسم في حديث خاص لموقع “بصراحة” الى انه “شاهد فيلم “ابن الله” والكنيسة المارونية وافقت على عرضه إذ أنه لا يحوي أي مغالطات كهنوتية أو لاهوتية”، واضعا كل الكلام الذي يُثار حول هذا الفيلم في خانة “الثرثرة المزعجة”.

واذ استغرب “هذه الحملة الممنهجة والمفتعلة ، ففي ظل عدم وجود أي مسّ بالجوهر المسيحي الانجيلي، لا يمكننا انتقاد الاخراج فهذا حق للمخرج وإلا تكون جميع الأفلام متشابهة ومتطابقة، اشار إلى ان “الناس توجهوا لمشاهدة الفيلم مبرمجين مسبقا ضده بعد حملة قام بها احد الكهنة عبر موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”.

وعن مدى استغلال الملحدين واليهود للانتاج السينمائي العالمي الديني لمهاجمة ومحاربة المسيحية، اعتبر أبو كسم “أنها آراء لا تقدم ولا تؤخر، فطالما الأعمال المعروضة لا تمسّ بالجوهر المسيحي فنحن لا ندخل بعملية الاخراج”، داعياً كل من لديه اعتراضات جوهرية باللاهوت على فيلم “ابن الله” إلى “ارسالها خطيا الى المركز الكاثوليكي للاعلام او لأي جهة كنسية أخرى”، مؤكدا “عدم اعتراض الكنيسة ايضا على عرض فيلم “نوح” الذي اعترضت عليه الطوائف المسلمة فقط ومن ثم تم حل الموضوع وسمح بعرضه .”

خرج بعض مشاهدي فيلم “ابن الله” من صالات السينما ناقمين على مخرج الفيلم لأنه لم يؤثر فيهم لدرجة البكاء فاعتبروه أقل تأثيرا من الأفلام السابقة التي تناولت مراحل حياة السيد المسيح ، ولكن هل من المسلم به أن كل فيلم يتكلم عن “المسيح” يجب أن يستفيض بتصوير مراحل عذابات “يسوع” ، كي يعزز البعض ايمانهم ذارفين بعض الدموع؟

وفي لبنان منارة الشرق الذي يتغنى شعبه بانفتاحه على الغرب وبمدى مستوى تطوره وثقافته، أيعقل الا تحتمل “عقول” روّاد الحرية نظرة إخراجية مختلفة عما اعتادوا مشاهدته عن مسيرة “ابن الله” مع أن الاناجيل الاربعة روت القصة بتفاصيل مغايرة؟، فما دام الفيلم لا يمسّ “بالمقدسات” ولا يعتمد “التجديف”، لم كل هذه النقمة والاعتراض؟ هل أصبحت طريق الانغلاق والمسلّمات أقرب إلينا من الانفتاح وحرية الفكر والتعبير؟ أم أن عدوى “التكفير” أتت مع الرياح الشرقية فاجتاحت العقول الخريفية والربيعية على حد سواء؟

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com