دعوة مفتوحة للحياة
كما يسري النيل كشريان حياة في عروق ام الدنيا، كذلك هو فيلم فيلا ٦٩ يسري كدم جديد في شرايين السينما المصرية ليحييها ربما عبر دعوة للحياة من باب الحب العريض… الحب على اختلاف انواعه: أصداقة كان أم علاقة رومنسية، أم حب العائلة و الموسيقى… و كأن الحب هو ذلك الخيط الذي يربطنا بالحياة.
يطل علينا خالد ابو النجا بواحد من اروع ادواره عبر حسين المهندس الكهل الذي يعيش على هامش الحياة في عزلة فرضها على نفسه. انه يعاني من مرض عضال لا شفاء منه و ها هو الموت يدنو منه و لربما سيخطفه في اية لحظة ويبدو انه اختار الاستسلام للموت لا و بل اختار ان يحيا كميت. موت تحكيه لنا جدران فيلته القاتمة و ستائرها المحملة بالتراب و العتمة التي تسكن الروح و المكان. تشق هذه الوحدة اللامتناهية الممرضة الشابة التي تعتني ب “حسين” و تلمع في وسط العتمة حبيبة حسين الشابة سناء (تلعب الدور: اروى جودة).
تفاصيل عديدة من الديكور تحاكي حالة حسين النفسية الكئيبة الكالحة حتى تقتحم شقيقته (تلعب الدور : لبلبة) و حفيدها حياة حسين فاتحان امام بطل الفيلا ابواب الحياة و افقها و ها هو النور قد بدأ يجتاح كل الزوايا.
لقد نجحت المخرجة آيتن أمين في اظهار الصراع بين الموت و الحياة عبر التفاصيل المظلمة التي تملؤها التعاسة و الانوار و عبر الشرارات التي يبثها الحب في كل مكان حتى في نفس استسلمت للموت. اسلوب راقي، واقعي، سلس يتبعه الفيلم و رسالة واضحة تظهر مع تتالي الاحداث: احيوا الحياة عبر الحب. فالحياة فرصة جميلة تستحق ان تعاش.
يتبادر لذهن المشاهد فكرة جوهرية الا وهي كم من حياة لا قيمة لها نحياها على الهامش و كم من يائس احياه الحب. فالقيمة ليست لعدد ايامنا المتبقية بل لنوع الحياة التي نحياها بالوانها و اطيافها. فلسفة عميقة مؤثرة و رائعة تسيطر على الجو العام للفيلم و تاتي التفاصيل و الالوان لخدمة الانسيابية في الاحداث التي تعالج نقيضين بقالب درامي صلب يعزف سمفونية الخلود للحب. ذلك الحب الذي يبني امجاد الانسانية و يعطيها بعدا عميقا يلامس حدود فلسفة وجود الانسان.
ان اداء خالد ابو النجا في هذا الفيلم يضع حجر اساس لاعادة بناء سينما تعيد للشاشات الذهبية امجادها. اداء سلس اسطوري متميز يدعونا للتفكر و السؤال: هل الحياة افق يعاش بقلب صلب و مستسلم للاقدار ام ان الشمس تشرق كل يوم من جديد لنبني املا و حبا على جدران من نور و نترك اثرا طيبا يحيينا للابد؟