خاص بالصور- لبنان ودّع الموسيقار ملحم بركات في مأتم مهيب

ودع لبنان الموسيقار ملحم بركات في كنيسة مار نقولا للروم الاورثوذكس في الاشرفية، حيث غصت الكنيسة بالعائلة والمحبين والاصدقاء. وحضر مراسم الدفن حشد كبير من الوجوه السياسية، الفنية، الاعلامية، الاجتماعية ومحبي الموسيقار.

تقدم الحضور أفراد عائلة الراحل الكبير: زوجته رندة عازار وأبناؤه مجد ووعد وملحم جونيور وابنته غنوة، وطليقته الفنانة مي حريري والدة نجله ملحم جونيور.

وبعد صلاة الجنازة ألقى المطران عودة عظة عدد فيها مزايا الراحل وقال: “بالأمس عزف ملحم بركات لحنه الأخير، ومشى في طريقه.
لقد كلفني غبطة أبينا البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق أن أنقل للعائلة الكريمة تعزياته وأدعيته لكي يتقبل الرب الإله وديعته ويسكنها ملكوته السماوي.
غصن آخر من شجرة هذا الوطن ذوى، وقامة فنية كبيرة رحلت أمس، فنان مشاكس عرف بموهبته الموسيقية وصوته العذب وألحانه الشجية غادرنا والوطن يغلي والمواطنون يئنون.
ملحم بركات لم يكن يحتاج لألقاب، اسمه صنو الفن والإبداع، موسيقاه زرعت الفرح في القلوب وألحانه أطربت الجميع، أليست هذه ميزة الفن؟.
الفن لغة الروح وتعبير عن رهافة الإحساس، الفن لغة الإبداع، تلك النعمة المنزلة من فوق على بعض المختارين المنتدبين من رب الكون ومبدعه للتعبير بفنهم، بالشعر والموسيقى، والرسم، والنحت، والغناء، وما شابه، عن أسمى المشاعر وأرق الأحاسيس. الفن هو الرافعة التي تنتشل الإنسان من صغائر الحياة لتحلق به في أرجاء الجمال. الجمال ليس عنصرا ماديا أو صفة ينعت بها شيء، الجمال في ذاته هو الله، يقول أفلاطون: “إن منبع كل جمال هو جمال أول ينفث، بمجرد وجوده، الجمال في كل الأشياء التي نسميها جميلة”، في كتاب التكوين، كان مبدع الكون يرى عمل يديه حسنا، الإبداع جمال، تفوق، تحليق في الأعالي ومن نصلي لراحة نفسه اليوم كان ممن أبدعوا فحلقوا. موسيقاه كانت تخترق القلوب وصوته يطرب الآذان، الفنان الكبير يكتنز حسا إلهيا، وجمال الآثار الفنية إنعكاس للجمال المطلق، أو ما كان يسميه أفلوطين الفيض. الأثر الفني يكون جميلا بمقدار ما يشترك مع الفكرة التي تفيض من الخالق. الفن إذا هو ارتفاع إلى الله”.
أضاف: “ملحم بركات، ربيب الفنانين الكبار في قريته الصغيرة كفرشيما، عاش في الزمن اللبناني الجميل، وعاصر عمالقة الفن في لبنان والمنطقة، وعمل مع المبدعين فأبدع. منذ شبابه أحب الموسيقى وتتلمذ على كبار أمثال زكي ناصيف وتوفيق الباشا وفيلمون وهبة. تعاون مع الرحابنة وروميو لحود وغنى مع فيروز وصباح وسلوى وغيرهن، كما وزع ألحانه العذبة على العديد من المطربين.
أحب لبنان حبا كبيرا، وغنى له، كما بقي وفيا له وللغته اللبنانية، في زمن تخلى فيه الكثيرون عن وطنهم ولغتهم. معه انطوت صفحة مشرقة من تاريخ الفن اللبناني، لكن عاشق الموسيقى هذا، وإن رحل بالجسد، سوف يبقى في ذاكرة هذا الوطن وفي وجدان أبنائه، صوتا صادحا يحمل الفرح، وموسيقى راقية تخترق القلوب”.
ملحم بركات عاش حقبة جميلة من عمره في زمن الكبار، لكنه رحل في زمن انحطاط كلي، لعله أراد الهرب منه إلى العالم الرحب، عالم الحق والحرية والجمال، حيث يشارك الملائكة في تسبيح الله وتمجيده بالمزمار والقيثارة والألحان العذبة التي أبدعها.
الإنسان والإبداع الإنساني يرتبطان ارتباطا وثيقا بالحرية، والحياة في الله هي الحرية. أن يكون الإنسان حرا يعني أن ينطلق من خلال الفعل الخلاق، أي الإبداع، إلى تمام الوجود وكليته، إلى اللامتناهي”.

ولفت عودة الى “النشاط الإبداعي هو هذه الحركة نحو اللامتناهي والمتعالي، حيث تكتسب الأشياء عمقا ومعنى وطابعا وأهمية تتعارض مع الضحالة والتفاهة والغثاثة والسطحية التي يتصف بها العالم الأرضي. هل تعب ملحم بركات من الضجر على هذه الأرض فحركه القلق الخلاق، الذي ينتاب المبدعين ويحرك شوقهم إلى الأبدية، ودفعه إلى التخلي عن تفاهة هذا العالم وخوائه؟
لبنان يودعه اليوم، واللبنانيون، وسوف يغمره تراب كفرشيما التي أحب، لكننا، نحن المسيحيين، قياميون، نؤمن بيسوع الناصري الإله القائم من بين الأموات، ونعيش على رجاء القيامة العامة، لذلك لا يشكل الموت بالنسبة لنا نهاية، بل بداية حياة سمتها الإنعتاق من صغارات الجسد وتفاهات العالم الفاني، إلى رحاب الملكوت، حيث لا حزن ولا وجع ولا تنهد، بل حياة لا تفنى”.

وختم: “رجاؤنا أن يتقبله الرب الإله في ملكوته ويغدق عليه رحمته العظمى، وأن يزرع فرحه الإلهي والعزاء في قلوب أفراد عائلة ملحم وزملائه ومحبيه.

باسم أخي المتروبوليت جورج مطران جبيل والبترون وما يليهما، وباسمي الشخصي، أعزي عائلة الفقيد ومحبيه واللبنانيين جميعا، سائلا الرب الإله أن يغفر له ذنوبه وخطاياه الطوعية والكرهية، التي بالقول والتي بالفعل، التي عن معرفة والتي عن غير معرفة كما رتلنا، وأن يتقبله في ملكوته ويرحمه”.

وكانت كلمة مؤثرة للشاعر نزار فرنسيس الذي ابكى الحضور قال فيها:
“يا شمعة الالهام غصي وانطفي وتكسري يا قلام شعري ونشفي
ايا طرب من بعد منو بينسمع راح الحنون الصادق الخي الوفي
راح المجد لبنان ع كتافو انرفع راح اللي كان بحب الله مكتفي
راح اللي كان الزهر يحنيلو سمع صارت وراقو فوق نعشو منتفي
واهتز عرش الموهبة ملحم وقع قومي يا الحانو ومن بعد منو وقفي
طالي النجم البيسما جبينو سطع ممنوع هالنجم لي زرعو يختفي
تعبان سرب قبل ترمو من الوجع ولما الامل من طول ايامو انقطع
سكر ع حالو باب هالعمر وغفي قوم ملحم..قوم..هيدي مش الك ليش الغفا؟؟ نبض الحياة بيسألك
الموت يمكن بالجسد يقدر عليك لاكن صعب عن عرش فن ينزلك
انت الملك..والمملكة بايديك الابداع تاج.. بايد الله مكللك
من وقت ما غمضتن .. عينيك طفيوا بعينيي كل نجمات الفلك
والفن عندي صار بعدك..هيك كلما حدا غنى التفت صوب القبور
انطر الموت يزيح .. ويطل الملك”

img_8855_800x533وانتقل بعدها الجثمان الى بلدته كفرشيما على اغاني الموسيقار الراحل، وهي المرة الاخيرة التي سيدخلها محاطا بعائلته وابنائها ورفاق دربه.
وقد انطلق موكب الجنازة سيراً على الاقدام من مفرق كفرشيما وصولاً الى مثواه الأخير في كنيسة مار بطرس وبولس حيث سيدفن، وقد زينت الطريق بصوره رافعا يده ويقول “بخاطركن” ويافطات كثيرة ومنها ما كتب عليها “يا ناحت اللحن بريشة الفرح”و “يا صوتا اسكر الخمر طربا وملأ القلوب عشقا”.
ورافق الموكب عدد من الفنانين وعزف لأغانيه من فرقة موسيقى بسوس، “فهو لم يكن يريد ان يودع بالدموع بل بالموسيقى والفرح التي لطالما نشرهما بالحانه واغنياته”. بعدها ووري الثرى في مدافن العائلة.

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com