خاص- موقع “بصراحة” يودّع الراحل الكبير وديع الصافي على طريقته…وداعاً يا طود لبنان الصافي

رحل مساء امس عملاق الطرب الفنان الكبير وديع الصافي عن عمر يناهز 92 عاماً بعد صراع مع المرض..

وديع فرنـسيس الشهير بـ وديع الصافي مطرب وملحّن لبناني يعتبر من عمالقه الطرب في لبنان والعالم العربي.. كان له الدور الرائد بترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه وفي نشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد.. أصبح مدرسة في الغناء والتلحين ليس في لبنان فقط بل في العالم العربي أيضًا.. واقترن إسمه بلبنان وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صوّر شموخها وعنفوانها..

نسمع أغانيه فنطرب لهذا الصوت المخملي الفخم وتسحرك تلك العتابا الجبلية الرائعة والميجنا والمواويل التي نرددها في سهراتنا وجلساتنا فتعلو الـ اووف وتتطايرالأقداح.. غنى للإنسان.. للحب.. للأبناء.. للأباء.. للطبيعة بسمائها وبحرها وجبلها وواديها.. غنى للغربة والوطن ورنم بصوته العذب أجمل التراتيل الروحية..

لم يكن وديع الصافي كبير الفنانين ومطرب المطربين فحسب وإنما كان من المبدعين العرب القلائل الذين رافقوا التحولات الإجتماعية والسياسية وجسدوا صورة الوطن من خلال توثيق علاقة أغانيهم بالأرض والبيئة والتراث والمحيط اللبناني والعربي..‏

ومن أجل ذلك تغنى بجمالية الطبيعة المحلية وتمسك بالايقاعات الفولكلورية الشعبية المترسخة في الوجدان العام التي اتخذها منطلقاً لإيجاد فرادة وخصوصية أسلوبه الفني المغاير الذي شكل منعطفاً في أساليب الغناء العربي في لبنان وفي العواصم العربية القريبة والبعيدة.. ‏فقد أكد وديع الصافي عبر مساره الفني أنه صاحب مدرسة غنائية خاصة تركت أثرها الواضح على أجيال من الفنانين الذين تأثروا بطريقته في الأداء والتلحين من خلال التنويع على إشارات ورموز التراث والمعطيات البيئوية الريفية التي تؤمن بعطاء الأرض..

وديع الصافي بعد مسيرة فنية حافلة بالإبداع الدائم والمتجدد لا تزال أغانيه وستبقى قادرة على الإدهاش والإعجاب والإبهار على الصعد كافة الادائية واللحنية والشعرية.. هكذا امتلك صوته قدرة استثنائية على إبراز عناصر التفوق حيث عرف ومنذ البداية كيف يختار اللون الغنائي الذي يتناسب مع قدراته الصوتية التي تلامس المشاعر الإنسانية العميقة في خطوات التلاعب بالطبقات والدرجات وبحساسية أدائية مرهفة..‏

قال عنه موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب أنه أجمل صوت في الشرق وحالة نادرة في الغناء العربي.. وتزداد أهمية هذه الشهادة حين نعلم أن رياض السنباطي ذهب أبعد من ذلك بكثير حين قال ” لا أتصور أن في تاريخ الغناء كله صوتاً بهذه الروعة وهذا الجمال وهذه القدرة العالية في الأداء باستثناء صوت ام كلثوم الخرافي..

قد لمع نجم وديع الصافي في عصر محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وسواهم فكان أحد القلائل الذين ساهموا إلى حد بعيد في تشكيل الوجدان العام بأغانيهم وألحانهم الخالدة.. وعندما سادت على الساحة أغنيات ما يسمى بالموجة الشبابية أثبت أن أغانيه قادرة على الاستمرار والتواصل مع الأجيال من مختلف الشرائح والمستويات والأعمار وفي أسوأ الظروف التي عرفتها الأغنية العربية.. حيث أعادت أغانيه وألحانه الكثير من أحلام الاستمتاع بفنون الزمن الجميل..

هو مطرب استثنائي والاكتفاء بهذا يظل ناقصاً جداً.. إنه في واقع الأمر رجل استطاع أن يدخل التاريخ الموسيقي والفني العربي من جميع أبوابه..

لقد كثرت التحليلات لمكونات صوت وديع الصافي.. بالدليل العلمي إنه صوت نادر واستثنائي قلما نستمع إلى مثله بل إنه في أحد عناصره مخالف للطبيعة البشرية.. لقد حمل لواء الغناء البلدي الريفي الزراعي (الفولكلور) ونقل هذا الفولكلور من صعيد الغناء الريفي المحصور عبر مهرجانات بعلبك وحوله إلى فن عربي مدني (كلاسيكي).. كما انه لم يخترع الشعر الوطني لكن وديع الصافي أصر منذ ظهوره الفني على اختيار الشعر أو الزجل الذي كاد ألا يخلو مرة من المعاني الوطنية..

هذا كله يدعو إلى القول أن وديع الصافي على عظمة صوته ليس مغنياً عظيماً فقط بل إنه كان أحد أهم محركات النهضة الموسيقية اللبنانية التي أسست بالمادة الموسيقية الريفية حركة موسيقية مدنية جديدة.. وأعاد ربط الكثير من خيوط تقطعت بين أوصال الانتشار اللبناني في العالم..

ان الإيمان بالعمل المستمر جعل هذا رأسه مرفوعاً دائماً.. فقد كان مدرسة في السلوك وفي التفاني وفي العمل والحرص عليه حتى يخرج للناس أروع صورة.. لقد كان بعضاً من الجوانب المضيئة في حياتنا وأحسسنا بعدما اعتكف عن الغناء منذ مدة بسبب مرضه أن مساحة كبيرة من أرضية الاغنية اللبنانية أمست مجدِبة..

وديع الصافي سيظل حياً في نبض الشعوب وستظل مسيرته الغنائية المثالية نبراساً مضيئاً تستنير منه الأجيال القادمة ومنهلاً تستقي منه.. خسارتنا بغيابه بالغة وعزاؤنا كبير لعائلته ومحبيه وما أكثرهم..

اقرأوا أيضاً: تغطية خاصة: هكذا نعى نجوم الفن والاعلام الراحل الكبير وديع الصافي

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com