رأي خاص- االشاشات اللبنانية في العناية المركزة ووزارة الاعلام لا تستفيق من سباتها إلا لقمع الإعلام والإعلاميين
تفتقد شاشاتنا اللبنانية مؤخراً للمضمون الذي يشدّ إليه المشاهد، وللبرامج التي تسلب له حواسه فتسرقه بكليّته ليبقى متسمّراً بشغف أمام الشاشة لساعة أو ساعتين من الوقت من دون أن يشعر بالملل أو ان تكون الريموت كنترول هي سيدة الموقف.
إنه أمر محزن، على الأقل، لأشخاص مثلي لديهم شغف الشاشة، ولمحطات لبنانية كانت سبّاقة في هذا المجال منذ انطلاق الشاشة الأم، أي تلفزيون لبنان، الذي اعتُبر في حينها رائداً في المنطقة بمضمونه وبرامجه وبمسلسلاته، وحتّى بالوجوه التي زيّنته وسكنت ذاكرتنا. وحتى القنوات التي أتت بعده لم تقل شأناً عنه، بمضمونها ووجوهها، إذ حتى برامج الألعاب في حينها نجحت باستقطاب المشاهدين جذبهم إليها، فكيف الحال بالبرامج الكبيرة التي كانت تعتبر في ذلك الوقت الأضخم على الإطلاق.
أما اليوم فالصورة مختلفة والشاشة مختلفة وللأسف لم تعد تشبه نفسها. ففي حين تطورت تقنيات الصورة لتصبح عالية الجودة، تأخر المضمون- للأسف- باللحاق بها وبقي ذات جودة محدودة، ما عدا بالطبع بعض البرامج القليلة جداً التي شذّت عن هذه القاعدة.
قد يكون الانفتاح الفضائي هو سبب، وقد تكون العولمة التلفزيونية التي جعلت من برامج “الفورما” وبرامج الواقع التي اكتسحت شاشاتنا هي أيضاً سبب، وقد يكون التطور الحاصل في الحياة اليومية لناحية سرعتها وعمليتها ودخول مواقع التواصل الإجتماعي كلاعب أساسي هو سبب كبير أيضاً، ولكن الواقع يبقى خجولاً وفقيراً. كما أن هذه الأسباب وغيرها لا يجوز أن تتيح لصنّاع التلفزيون أن يوقعوا المشاهدين في هذه الرتابة التلفزيونية وفي دوامة الملل كلما أداروا هذا الجهاز.
من غير المقبول أن نستسلم لفكرة أن أولئك الصنّاع الذين حفروا لأنفسهم أسماءً متقدمة في تاريخ هذه الصناعة، أن يتركوا شاشاتهم تجفّ بهذا الشكل المؤسف، وفي الأمر في بعض الأحيان عدم مسؤولية كبرى من جهتم، حين يسوّلون الهواء لبرامج وأشخاص من المعيب لا بل من الإثم أن يدخلوا بيوت وعقول المشاهدين.
أما البرامج السياسية فحدّث ولا حرج، ومنعاً للحرج لن تحدّث عنها أو نتطرق إليها.
أكتب كلّ هذا من إيمانٍ عميق بأن التلفزيون الذي هو ضيف طليق في كلّ بيت، وكلّ عائلة وعامل مؤثر في كلّ فرد، عليه أن يستعيد دوره الريادي، لا سيما الشاشات اللبنانية التي لطالما كانت مدرسة إعلامية كبرى، على الأقل للوطن العربي.
أكتب هذا من إيماني أن قدرة الخلق والإبداع و الابتكار عندنا ما زالت تنبض ولو أنهم أدخلوها العناية الفائقة وأسلموها لسطحية المنجمين والمتطفلين على المهنة .
اما الغائب الأكبر فيبقى وزارة الإعلام التي لا تستفيق من سباتها إلا لقمع الإعلام والإعلاميين في ظلّ غياب أية معاقبة منها للدور التحريضي الذي بات مؤخراً خبزاً يومياً على شاشاتنا، لا سيما في نشرات الأخبار والبرامج السياسية التي يستفيض مقدموها ومعدّوها في استقبال من “هب ودبّ” من المتعطشين للشهرة والإطلالات التلفزيونية ولو على حساب أعصاب الناس والاحترام للآداب العامة.
أشتاق إلى الدقائق التي كنت أتسوّلها من والديّ أو أسرقها من دروسي وساعات نومي للتسمّر إلى الشاشة ومتابعة ما يدور في هذا الصندوق العجيب. ألعن الزمن الذي أصبحت أهرب فيه من الشاشات اللبنانية إلى تلك الفرنسية أو الأميريكية، هناك حيث البرامج التي استنسخناها على الأقل قابلة للتصديق ولا تستخف بعقلي كمشاهدة. وكم أحزن حين أضطر من بعد أن تملّ من إصراري الريموت كنترول أن اطفئ التلفزيون وأهرب إلى سريري وأحلامي، هناك حيث المشاهدة أفضل حالاً!