رأي خاص- رسالة مفتوحة الى المنتجين والمحطات العربية التي تروّج للرذيلة والممنوعات في رمضان
باتريسيا هاشم – ييروت: لطالما عكست المسلسلات العربية في شهر رمضان المبارك واقع الشارع والبيئة التي تخرج منها. ولطالما كانت ايضاً مرآة المجتمعات التي تعكس واقعها في ثلاثين حلقة يتابعها ملايين المشاهدين في جميع انحاء العالم العربي. ولا شك في ان مسلسلات السنوات الاخيرة وبوجود “الكابل” ومواقع التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب الشهير أصبحت متوفرة لشريحة أوسع من المشاهدين حيث شُرِّعت الحدود بين الدول العربية على مصراعيها وأصبح أي مسلسل متوفراً ومتاحاً للجميع، لذا لم تعد المُشاهدة مقتصرة على اختيارات المحطة المحليّة حيث كانت تفرضها في السابق على متابعيها ومشاهديها وتكون هذه الاختيارات بالعادة متماشية مع تربية وتقاليد وبيئة المشاهدين، معتقداتهم، اديانهم وحتى احياناً توجهاتهم السياسية.
لطالما كان اللبنانيون منفتحين على كل البيئات والمجتمعات العربية حتى لو فرضت بعض الاعتبارات نفسها في مراحل ما وظروف معينة، الا ان كل المحطات العربية أصبحت اليوم بمتناول الجميع ومتوفرة بسهولة فائقة، ومن خلال قطعة بلاستيكية هي “الريموت كونترول” يستطيع أي كان ان يدخل الى اي مسلسل يشاء على اي شاشة عربية وعالمية ويخرج من آخر دون حسيب او رقيب.
لا شك في ان الانفتاح على الاخر امر مشوّق وايجابي في معظم الاحيان فمن أشكال التخلف التقوقع في مكان ما ومراوحته والعيش في عزلة عن العالم وصم الاذنين واغلاق العينين عن كل ما يحدث في أماكن أخرى ولكن هناك ضريبة يدفعها المشاهد أحياناً حين يتأثر ببيئات وأفكار وثقافات أخرى فيتأرجح بين عالمه الحقيقي والواقعي وبين عالم غريب مبهر احياناً يشاهده فقط على الشاشة . وحين تقع المقارنة بين العالمين، يقع المشاهد واحياناً يضيع ان لم يكن محصناً بالفكر والوعي الكافيين.
اقول كل هذا اليوم لأصل الى خلاصة مفادها ان العالم لم يعد مغلقاً ونحن جميعاً مسؤولون عن كل ما أصبح بمتناول أولادنا وشبابنا، وأعني بنحن الاهل، أصحاب “الكابل”، الوزارات المعنية، الجهات الرقابية، أصحاب المحطات، مدراء البرامج،الاعلاميين، الجميع مسؤولون عن بعض المواد الملوثة التي نسمح لها مؤخراً بأن تتسلل الى بيوتنا وتفتك بالذوق العام وذوق جيل جديد بكامله، وهذا لا يندرج لا سمح الله تحت خانة “كبت الحريات” فحتى الحرية يجب ان تكون مسؤولة انما هي من باب الحرص على حد ادنى من الثوابت الاخلاقية والفكرية والمجتمعية والوطنية وحتى النفسية لما لها من تأثير سلبي ومدمّر بسبب هذه الازدواجية التي يعيشها شبابنا احياناً فتضيع هويتهم بين واقعهم غير المثالي في معظم الاحيان وبين بهرجة ما يعرض عليهم وما يتلقفونه بإبهار وذهول في معظم الاحيان ما يتسبب ربما باليأس والاحباط.
وبعيداً عن المثالية بالبحث، وبالعودة الى الواقع، لا بدّ من ان ندين ما يقدّم اليوم خلال الشهر الفضيل على شاشاتنا العربية. وفي ذروة الانفتاح الحاصل اليوم بين مختلف الشعوب، لا بدّ من توجيه رسالة الى منتجي وكتاب ومخرجي وحتى ممثلي هذه المسلسات الرمضانية التي بمعظمها لم تحترم الشهر الفضيل ولا طقوس وصوم المسلمين. ولا أفهم لما المسلسلات العربية مصرّة على المتاجرة بالمرأة خلال هذا الشهر، فالعري والدعارة والكحول والمخدرات تتصدر قصص معظم المسلسات في مشاهد مستفزة جداً ليس الهدف منها توعية الاجيال الجديدة انما تصوير الموضوع وكأنه امراً عادياً ومتاحاً. والترويج للدخان والكحول بلغ ذروته في هذا الموسم الرمضاني، فلا يدور اي حوار بين اثنين الا حول كأس من الويسكي او الفودكا وسيجارة او سيجاراً، في ظاهرة نافرة ونادرة تخطت كل الخطوط الحمر وأخلاقيات الاعلام المرئي ومهن الانتاج والاخراج والتمثيل، فدور الدراما الى جانب الابداع بطرح قضية ما ومعالجتها يجب ان تتحلى بدور توعوي غير مباشر يساهم في الاصلاح المجتمعي وفي تطوير فكر المشاهد.
وفي ظل تفاقم آفات المخدرات وتعاطي الكحول والسرطنات الناتجة عن التدخين لا بدّ من التنبه للتأثير السلبي غير المباشر لما نروّج له في مسلسلاتنا خاصة في شهر رمضان حيث يضمن اي مسلسل اعلى نسبة مشاهدة خلال العام، ولا يجوز ان نقارن انفسنا بالغرب ونصوّر أنفسنا على اننا “كتير cool” فعلاقة الغرب بالكحول والمخدرات لا يجب ان تعمّم علينا كمجتمعات عربية خاصة في زمن الصوم والتوبة حتى ولو ان هذه العلاقة بالممنوعات اصبحت واقعاً ينخر في عظام مجتمعنا العربي، فالاحرى بنا كمسؤولين امام هذه الاجيال ان نساهم في التوعية وليس في تسهيل الترويج لها وان نغتنم فرصة عرض هذه المسلسلات لنوصل رسائل تساهم في تطوير مجتماعتنا وفكر وثقافة ووعي شبابنا فلا نشرّع شاشاتنا للرذيلة والحرام دون ان نخرج بخلاصات ذكية تكون درساً مفيداً للمشاهدين.
وأخيراً وبالعودة الى المحطات اللبنانية وفي ظل “شح” التمويل الاعلامي السياسي او الاعلاني تدنى مستوى البرامج على جميع هذه المحطات فوصل الافلاس لدرجة حتم على جميع التلفزيونات الاستعانة ببرامج “الفضائح”. وفي ظل غياب الرقابة اللاحقة لوزارة الاعلام ودور المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع “الاستشاري” ، وعدم وجود اي قانون ينظم ما ينشر على المواقع الالكترونية وعلى وسائل مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة. وأيضا في ظل اضمحلال المبادئ الاعلامية عند المعنيين تبقى الرقابة الذاتية ورقابة الاهل هي المرجع المختص الوحيد لـ”فلترة” ما يشاهده اولادهم. رغم أن البحث عن “ابرة ثقافة” في كومة من “قش” التسخيف والتجهيل ، مهمة صعبة ولربما مستحيلة !