رأي خاص – من هم المتورطون مع وائل كفوري في جريمة البومه الاخير؟
باتريسيا هاشم: وفي البدء كانت الكلمة….
ولعل الكلمة هي بداية وحكاية ونهاية كل شيء، فمن يجهل أهمية الكلمة في حياته ربما فوَّت على نفسه حقائق كثيرة ومتعة العيش فيها ومن خلالها ، حتى في احلك الاوقات وأصعبها غامرت بعض الكلمات في تغيير وقائع وحالات انسانية واجتماعية ووطنية .اما في الفنّ، وعلى الرغم من تشويش بعض الجهلة من خلال الادعاء ان اللحن اهمّ من القصيدة وانه الجاذب الأهم في الأغنية، الا ان البوم النجم اللبناني وائل كفوري الأخير أثبت عكس ذلك، فإن امعنت النظر والبحث والتشريح في الالبوم تكتشف ان “كلمات” الاغنيات هي نجمة هذا العمل دون أي منازع وهي تشبه “الفيترينا” الجميلة التي تغريك، فتستدرج فضولك لاكتشاف المزيد. كلمات أغنيات البوم وائل كفوري الجديد طُعمٌ مستورد من اجود انواع المغريات، فخّ فنّي أطاح بكل ذواقة الفنّ. سبعة قطع شعرية عرضها بزهو منير بو عسّاف في فيترينة البوم وائل كفوري وكأنه يستعرض ابداعه بكل اشكاله واحواله ونجح إرهاب صوره الشعرية بخطف الانفاس التي تتوقف عند كل أغنية لتلتقط نفْسها.
معصرة منير بو عساف الابداعية نجحت في البوم “الكفوري” في عصر اجود أنواع المشاعر والاحاسيس فكان الموسم الأروع على الاطلاق، موسم عذب من طيب العبارات ومسك التعبير، موسم فنّي نادر جيّر له عساف تجارب مرحلة من حياته عاصرها فعصرها، حتى ذابت في حنجرة ماسية لا تتكرّر، حنجرة كانت امينة لكل كلمة، لكل شعور واحساس ودمعة وانكسار، لكل لحظة ضعف وخيبة وألم في شعر بو عساف، حنجرة وائل كفوري نقلت وجع الحب والخسارة والفراق والخيانة بأمانة، وهذا الالبوم المنتظر كان يحتاج الى فنان ذكي وحقيقي مدرك تماماً لأهمية الكلمة في اغنياته التي دون ادنى شك ستدخل مكتبة الفن اللبناني والعربي من بابه الواسع والعريض وستقفز الى الرفوف الامامية لتزهو بفخر وتعالٍ بين اغنيات جيلها.
ولو تحلى كل فنان لبناني او عربي بحس المسؤولية هذا تجاه الفن لما لوّثت بعض الاغنيات الصادرة خلال السنوات الاخيرة تاريخاً فنياً عريقاً ورثناه عن كبار نجومنا .
اما بلال الزين…فلأول مرة اعجز عن ابتكار كلمة تفوق بمعناها كلمة ابداع التي استهلكت كثيراً. بمَ عساي أصفك يا سيدي؟ بجنرال اللحن والتوزيع في لبنان؟ هل انت مسكوب في النوتات ام تراها هي مسكوبة فيك؟ هل عادة تستعين بملائكة لترسم لحن أغنياتك او انك تستعين بالسحرة؟ لأن هذا الابداع ليس بشرياً ابداً ولست أبالغ ان قلت أننا ان بحثنا في الاغنيات التي حملت توقيعك نجد الحانًا تتكلم بتلقائية فظيعة دون ان تنطق بكلمة. فلألحانك قدرة مغناطيسية هائلة، فيستحيل ان نستمع الى لحن من الحانك دون ان تشوّش على كل حواسنا،فنفقد اتّزان الواقع لنتوه في خيال الاتزان…ولكنني في البوم كفوري اتساءل من يتسابق مع من؟ ملائكة نوتاتك او ملائكة صوت وائل؟هذا السباق لمغازلة الحواس لن يُتوّج اولاً او فائزاً بل سيضمن مكسباً لذواقة الفن في اي مكان في هذا الكون الفني الشاسع…
اما هشام بولس، هذا المناضل الآخر، فهو يتحدى نفسه في كل عمل جديد ولعّل للعمل مع وائل كفوري طعم ولون مختلفين ومسؤولية تثقل كاهل من يبحث عن التميّز وهذا ما نجح هشام بولس في تحقيقه مع الكفوري…فهو لا يجهّز له الالحان بل يقتلعها من قلبه وكأنها بالنسبة له قصّة حياة او موت وحالة من اثبات الذات وبلورتها لترتقي الى مستوى القداسة في الفنّ.هشام بولس اثبت حتى الآن انه رقم لا يستهان به على الساحة الفنية، رقم ذهبي براق في زمن البهتان والاستهتار الفنيين ولأن الابداع معدٍ فلا شك في ان التعاون مع نجم كوائل كفوري هو بمثابة محفّذٍ لاطلاق شرارات ابتكار جديدة ونجح هشام بولس بالتعاون مع الموزّع داني حلو في تقديم عملين استثنائيين لوائل على طبق من نور وتجلٍّ…
اما ملحم ابو شديد فتفرّد بأغنية واحدة لوائل لحناً وتوزيعاً وخرق جدار التقليدي وأصّر على القول لوائل “يا بكون بحياتك الأهم يا ما بدّي كون” فكانت الاغنية من أهم اغنيات هذا الالبوم الذي لا ينافس اي البوم آخر بل يفوق كل الالبومات الصادرة حديثاً قيمة فنية وابداعية.
وعلى فكرة، انور مكاوي ومحمود عيد وعمر صباع اشتركوا معاً في خلق اغنية كانت كالنسمة الربيعية في البوم كل الفصول هذا الذي جمع صيفاً وشتاءً ابداعيين تحت سقف واحد .
ومايسترو هذا العمل المتكامل، كان صوت وائل كفوري الممتلىء شجناً وحنيناً وشغفاً، هذا الصوت الذي بايع الابداع منذ زمن طويل حتى اصبح ملكاً على امارة الفنّ اللبناني. صوت صلب كالصخر، نادر كالماس وعذب كالدموع، صوت يتقن مغازلة التنهدات حتى يشعر المستمع بالاختناق، صوت ينجح في كل مرة بتقصير المسافات بين القلب والعقل فيشكلا معاً ثنائياً متورطاً بصوته الى درجة الذوبان.
في النهاية لا يسعني الا ان ارفع القبعة لكل من تورّط في العمل الفني الجميل، لكل من قدّر ودعم وشجّع هذه التعاونات الفنية النادرة في زمن القحط الفني.
واذا كان الابداع جريمة فالمتورطون في جريمة البوم وائل كفوري متهمون بالابداع حتى النخاع.