تغطية خاصة- ايلي شويري: سقوط الدنيا وظلامها أجمل من فنّ اليوم
حلّ المطرب اللبناني ايلي شويري ضيفاً على برنامج “مثل الحلم” الذي يعرض كل يوم أحد عبر أثير اذاعة صوت لبنان مع الاذاعية نسرين ظواهرة.
في بداية حديثه أعرب الفنان ايلي شويري عن تعلقه وقربه من اذاعة صوت لبنان التي تشكل جزءً من حياته وصداقاته، كما أعلن أن انتماءه الى صوت لبنان هو انتماء كلّي ففي فترة التسعينات أخذ هذا الانتماء طابعاّ شبه طائفي في فترة لم يكن فيها لبنان بأحسن حالاته وفي نفس الوقت كان الفنان ايلي شويري حريصا على أن يتجوّل على كافة الاذاعات اللبنانية “الشرقية والغربية” حيث له فيها العديد من الذكريات.
واعتبر شويري أن سبب اطلالاته الاعلامية القليلة يعود الى أن الاعلام اليوم لا يشبهه فهو كان يتردد على الاعلام في السابق عندما كان يشبهه، يشبه فنه وأحلامه أما اليوم فالاعلام لا يشبه الا جيبة الفنان وأهواءه الخاصة.
وأضاف شويري أن الحلم موجود في داخل كل منّا والانسان يحلم باليقظة كما في المنام وأغلب المؤلفين والملحنين يترجمون أحلام اليقظة الى الواقع. ولفت الى ان الحلم تححوّل اليوم الى دموع ولم يعد في العمر بقية تدفعه الى الحلم في وقتٍ كان يحلم ليحقق اسمه وموهبته وانتماءه الجغرافي.
وأضاف شويري أنه حاضر لكل شيء ويعتقد أن الحياة الاخرى أحلى من الحياة، فهو يحلم بحالة أفضل للانسان في لبنان معتبراً أن قدر لبنان لم يدَع الانسان يعيش فيه الفرح بشكل صحيح.
وصرّحشويري أنه اليوم يرتوي من الفترة السابقة وهو لو لم يتأثر بالماضي ويعيشه لما أحب الحاضر حيث حلُم في بداياته وحقق حلمه بأنه أصبح مشهوراً في كل الاذاعات العربية معتبراً أن الفنان اللبناني كان له الحظ في أن ينتشر فالوقت كان كافٍ وراحة البال متوفرة. وأعرب عن خوفه من تراكم الاحداث بشكل خطير في لبنان فهو يخاف أن يعود لبنان ليغرق في الظلام والحقد والجهل والخوف من جديد مضيفاً أن الخوف كبُر لان العائلة قد كبُرت وأصبحت تضمّ أحفاداً والناس أصبحوا اليوم في حالة جشع يحاولون الوصول الى ما يريدون حتى ولو بالقوة و”بالدعس على الاخرين”.
وكشف شويري أنه فنان بالفطرة فهو مسحوراً منذ صغره بعالم الفن وفي بدايات وعي الطفولة عنده كان هاوياً للراديو اذ لم يكن من شيء متوفر غيره حتى أن الكهرباء لم تكن قد وصلت الى منطقته فكان يسترق السمع الى صوت الراديو من منزل الجيران حيث يسمع المهرجانات وغيرها من الاغاني الاصيلة، وكان يستمع الى صوت الصلاة اتياً من بعيد فقد كانت صلاة الجامع تحرك في داخله أشياءً كثيرة يشعر من خلالها أنه ينتمي الى عالم جميل، واشار انه كان مقرباً جداً من الاستاذ وديع الصافي والعديد من المغنيين الذين كانوا يترددون الى محال خاله في منطقة الاشرفية، فكان هائماً فيهم وقد اعتبر أن هذا الجوّ قد سهّل له طريق الفنّ وعندما بلغ العشرين من عمره تعرّض لحادث حيث كسرت يده فهاجر الى الكويت وبكل جرأة تقدّم الى الاذاعة وجرّب صوته الذي أحدث دهشة عند القيمين وقُبِلَ في الاذاعة الكويتية حيث التقى هناك بالعديد من الفنانين اللبنانيين الذين كانوا يسجلون الاغاني هناك من أمثال وديع الصافي، توفيق الباشا كما تعرّف على فرقة المنشدين الا أنه وعندما اشتعل الحنين في داخله الى لبنان عاد وحافظ على التواصل واللقاء بهؤلاء الفنانين الذين تعرّف عليهم في الكويت وصار يذهب معهم الى الاستديوهات الخاصة حيث تعرّف على الفنان جوزيف ناصيف الذي عرض عليه العمل معه في الكورال وهناك التقى بالفنان الياس الرحباني. أما الاخوين منصور وعاصي الرحباني فقد تعرفا اليه سنة 1963 في مسرحية الشلال مع الاستاذ روميو لحود وعرضا عليه العمل ومنذ ذلك الوقت بدأ بالانتماء الى الحالة اللبنانية، وفي أول لقاء مع الاخوين رحباني ذكر تفاصيله التي شكلت مفصلاً مهماً في حياته الفنية حيث غنى أمامهما موالا لبنانيا صعباً وكان منصور يعزف على البيانو وعاصي يضع يده على كتفه وقال له “سمعنا يا شويري” وعندما انتهى من غنائه صاح عاصي “اه يا شويري اه” ثم جربوه بالمغنى الكلاسيكي وبقي معهماا ليتعرف على أجواء الفن الرحباني حيث شارك في دورٍ صغير لم يتجاوز الخمس كلمات في مسرحية “الليل والقنديل” الا أن هذا الدور كان كافياً لتحقيق حلمه. ثم اجتمع بالسيدة فيروز معتبراً أنه تعلم من الثقافة الرحبانية مع التأكيد على أن النواة كانت موجودة عنده وهو لم يذوب في طريقتهم بل حافظ على هويته الخاصة على الرغم من تأثره بعما مشيراً الى انهما من أعظم أساتذة الشرق في الموسيقى. وعندما وقع الخلاف معهما أخذ طريقه الخاصة في الفن شأنه شأن زملائه الفنانين ملحم بركات، مروان محفوظ، جوزيف ناصيف، طوني حنّا حيث حاول كل منهم أن يرسم طريقه بنفسه معتبراً أنه في الفن يجب أن يلحق الفنان اسمه وليس شغفه.
وبالنسبة للموسيقار ملحم بركات، اعتبر شويري أن الحظ قد فتح أمامه الافاق الواسعة عندما تعرف على السيدة صباح وأخذته معها الى سوريا وقدمت له كل الدعم وشجعته على الوقوف على المسرح بعد أن كان يرتعش ويخاف ومن بعدها انطلق ملحم وحقق نجاحاً كبيراً لانه يمتلك موهبة رائعة وصوتاً رائعاً. وهنا عبّر ايلي عن حبه لكل زملائه من أبناء جيله رغم اختلافاته أحياناً معهم ورأى أن الجميع قد تعب ليصل مضيفاً اسم الفنانين عصام رجي وسمير يزبك اللذين حققا اسماً لامعاً في عالم الفنّ.
وسجل ايلي شويري عتباً كبيراً على عدم نيل الاستاذ وديع الصافي حقه من النجاح والتقدير معتبراً أن الجمهور في لبنان في وقتها لم يكن مثقفاً سياسياً ولم يقدّره حق قدره ولو كان وديع الصافي في هذه الايام لكن أخذ حقه ففنان كبير مثل وديع الصافي يجب أن يكون في أواخر أيامه مرتاحاً ومقدراً ويسكن قصراً مشيراً الى أن من يعتمد على المسرح يموت من الجوع.
وكشف شويري أن شروط النجومية تختلف اليوم عن السابق فكل فناني اليوم لديهم مدراء أعمال ولولا ذلك لما وصلوا لهذه النظامية في حياتهم بينما نرى فنانين كبار مثل الاستاذ زكي ناصيف ونصري شمس الدين ماتوا تعبانين وحيدين فمثلاً عندما كان هو وأبناء جيله يسافرون الى الخارج لاحياء الحفلات كانوا يتعرضون للمشاكل وأحياناً كثيرة لا يقبضون الاموال ولم يكن لديهم مدراء أعمال لتنظيم الامور ومرّ العمر بهم دون جني الثروات، فهو يملك رصيداً من 1200 أغنية والعديد من الالحان والمسرحيات ولم يجنِ ثروة تُذكر الا أن انتماءه الى جمعية ال”ساسيم” يؤمن له مردوداً سنوياً بقيمة عشرة الاف يورو.
وبالعودة الى علاقته مع الاخوين رحباني والسيدة فيروز كشف شويري أنهم كانوا يأخذون رأيه عندما يختلفون على لحن أو أغنية فهو كان يلازمهم ويعيش معهم في ورشة العمل حيث أصبحوا أكثر من أهله وقد حزن كثيراً عندما تركهم الا أنه كان لا بدّ من ذلك اذ لم يعودوا قادرين على أن يعطوه ما يريد فمثلاً فيروز لم تتقاضى أجراً سوى من مدة 15 سنة فقط! مشدداً على أنه حافظ دائماً على علاقة جيدة معهما وهو دائِم التواصل مع السيدة فيروز وعائلتها.
أمّا عن الجيل الجديد لال الرحباني غدي، أسامة ومروان، اعلن شويري عن محبته لهم فيكفي أنهم يحملون اسم عاصي ومنصور وفيروز ويكفي أنهم ينتمون الى هذا التراث. وهنا اقترح شويري اعادة مسرحيات الاخوين رحباني لان هذا الجيل لا يعرفهم فهو لم يشاهد مسرحياتهم وحتى لم تكن تتوفر وقتها تقنية تصوير الفيديو لذا فهو يقترح اعادة عرض هذه المسرحيات ولو بوجوه جديدة لعدم امكانية مشاركة فيروز وغيرها من الجيل القديم مع الاستفادة من كل التقنيات الحديثة فيتعرف جيل اليوم على مسرح الرحباني الذي يدأ منذ سبعين سنة.
وصرح شويري أن الماضي هو أصعب على الفنانين الجدد واليوم هو صعبٌ على الفنانين الذين سبقوا، ففنانو الجيل الجديد لا يستطعون العيش في الزمن القديم حيث كان الفنان يطلب لحناً من الملحن دون مقابل مضيفاً ان مشكلته أنه لم يستمر في المسرح الغنائي مع الكاتب أنطوان غندور وفرقة كركلا مع أنه يعتبر أن المسرح بيته وصلاته حيث لرائحة الخشب طعمٌ خاصّ.
وعن رأيه في الساحة الفنية اليوم، اعتبر شويري أن سقوط الدنيا وظلامها أجمل من فنّ اليوم فليس هناك اعمال تبشر بتطوير الفنان هناك نجاح لاغنية ولكن دون بصمات بقاء للاغنية، فكل شهرين يصدر الفنان ألبوماً ويتكلم عنه ولكن لا يبقى لها اثراً. معتبراً أن المستقبل لا يذكر شيئاً من هذه الاغنيات بل أن مئات الالاف منها سيذهب الى “المزبلة” هذا وان درّت على أصحابها اليوم المبالغ الكبيرة معتبراً أن حتى أصحاب هذه الاغاني يغيرون رأيهم بها بعد فترة, وأوضح أن الناس التي تصفق اليوم نوعين “سميعة ومعجبين” فالسميع ينام ويحلم على ايقاع اغنية فاليوم لا يوجد أغاني تدفع ىالانسان للحلم حيث لا وقار ولا عظمة للموسيقى بل اداءٌ طائش فيه ضجيج يشبه هذه الحياة السريعة المليئة بالضوضاء المتوترة معتبراً أنه يجب علينا أن نرفضها. وأضاف أنه بالرغم من كل هذه السوداوية لا يزال هناك أصوات رائعة حتى أنها أفضل من أصوات الجيل السابق ولكن برأيه المطلوب أن يهتم أصحابها بالاغنبة اللبنانية من مصادرها.
ونذكر أن للحديث مع المطرب ايلي شويري له تتمة في الحلقة القادمة.