رأي خاص- حفل عالمي جديد ألغي في لبنان وضاعت توني براكستون بين المال والأمان
ربما من المخجل حقاً ان نعالج موضوعنا هذا اليوم في ظلّ كل الاوضاع الامنية المتردية في لبنان خاصة بعد عملية اغتيال اللواء وسام الحسن في الاشرفية وما ترتّب عنها من شغب وعنف معنوي وجسدي بين الاطراف المتناحرة في لبنان التي تحركها تياراتها وزعماؤها وكل المستفيدين من الاخلال بالأمن والامان.
اصبحنا نتهّم بعضنا في لبنان بالخيانة، فإن كان ابن باب التبانة يتقاتل مع شقيقه في جبل محسن ولبناني آخر في بيروت يلهو ويمرح فهو خائن ويجب ان يتضامن مع اشقائه في الشمال ولا يجوز لإبن البقاع ان يقيم مأدبة غداء على شرف اصدقائه والنزاع والتقاتل على اشدّه في صيدا او اثناء احدى خطابات الشيخ أحمد الأسير. مهزلة ما بعدها مهزلة في بلد موقف زعمائه من كل ما يحصل على أرضه والناس المتناحرين عشوائياً فيه مهزلة بحدّ ذاتها!
كل ذلك لأطلب ان نخفّف من كيل اتهاماتنا في وجه بعضنا ونُتّهم بالخيانة العظمى لأننا لا نريد ان نكون جزءاً من هذا الصراع الداخلي العقيم ولا نريد ان نموت من أجل قضية ليس كل اللبنانيين مقتنعون او مؤمنون بها وبالتالي لهؤلاء حقهم في حياة سعيدة وممتعة وليسوا مجبرون على حمل راية الموت والعنف واللا انسانية وقضيتكم ليست بالضرورة قضيّتهم، لأنه أصبح لكل قضيّة في هذا الوطن طائفة ومذهب وتيار وحزب وعشيرة وجناح عسكري …
ما استفزني اليوم هو الغاء حفل النجمة العالمية “توني براكستون” في مجمّع البيال والذي كان مقرّراً في الثامن من ديسمبر الجاري وقد ألغي في ظروف غامضة ولكنها بالحقيقة لم تعد خافية على أحد والحديث عنها ليس عيباً او اهانة للمتعهد ، فللاغاء سببين لا ثالث لهما ، اما ادارة اعمال براكستون قررت عدم القدوم الى لبنان بسبب الاوضاع الأمنية “الزّفت” في المنطقة او اقّله لعدم توفّر مناخ امني مشجِّع في لبنان فلا أحد في الشرق الاوسط يستطيع التكهّن ما الذي قد يحصل غداً او بعد غد، لذا الاخبار التي وصلتها ربما لم تكن مُطمئنة، ونجمة عالمية كهذه لن تضحّي بنفسها وتكون شهيدة الشرق الاوسط.
ثانياً اللبنانيون كالعادة لم يستطيعوا ملء كل مدرجات الحفل بما ان لا مغتربين ولا خليجيين ولا “من يحزنون” في البلد، فالاعتماد اصلاً ليس عليهم . هذا ان اضفنا الاسباب الاجتماعية وبطء العجلة الاقتصادية ، فمن تراه يدفع سعر البطاقات المرتفعة في ظلّ الكابوس الاقتصادي والاجتماعي المرعب الذي يعيشه اللبنانيون دون ان نتجاهل الاسباب الامنية على خلفية كل عمليات ومحاولات الاغتيال وبوجود أجنحة عسكرية وجماعات مسلّحة “شي بروس وشي بلا روس” وبوجود كل الفلتان الامني الذي خرج عن السيطرة في أبشع مشهد لتراخي القوى الامنية في لبنان؟
حفل النجمة العالمية “توني براكستون” ألغي في بيروت تماماً كبعض الحفلات الماضية وربما المستقبلية، فالفنّ والفرح مستحيل ان يلتقيا مع الدمّ والموت وسيبقى لبنان الجاذب الاكبر لتجّار الخوف طالما ان سياسييه ومواطنيه ينفذّون أجندات محلية وعالمية وطالما ان المحطات التلفزيونية اللبنانية والعربية ستشّرع هواءها للمحرضين ليدعوا الى الفتنة ولأجنحة العشائر ليهددوا ويتوعّدوا وللهيئات الاقتصادية لتفضح على الهواء كل ارقام الديون والعجز فتغتال كل أمل بالاستثمار في لبنان ولأشلاء الجثث التي تصّر على عرضها وكأنها تحقق انتصاراً اعلامياً عالمياً ، كل ذلك ساهم في تعتيم الصورة -حالكة السواد أصلاً – ولكننا نساهم نحن دائماً في تشويهها وكأن احد سيفوز بتحقيق ذلك، متناسين ان المصيبة العظمى لن تفرّق بين تيار وتيار وبين حزب وحزب وبين جناح أو ذيل …بل ستقضي علينا جميعاً!
نجمة “un-break my heart” توني براكستون فتحت اليوم شهيتي على الاستفاضة بالتعبير عن قرفي حيال كل ما يحصل في لبنان وربما الغاء حفل كهذا في بيروت نعتبره جميعاً خسارة كبيرة وقاسية ولو ان الغاءاً كهذا قد يثلج قلب المتطرقين والمتزمتين الذين يعتبرون الفن فحشاً وحراماً في حين نعتبر كما جميع المنفتحين والمثقفين والمضطلعين ان الفنّ هو صورة حضارية عن المجتمعات وهو لحن القلب والجسد والروح وهو ارقى درجات الابداع على الاطلاق…