كتاب الأديب السعودي سعد بن محمد (قيل ورددت) فاز بجائزة معرض الكتاب العربي في بيروت
مجدداً “قيل و…رددت”، نعم إنه الكتاب الذي أصرَّ على الاختلاف في الشِّكل، فتميَّز هندسةً وفنَّاً، ونحن اليوم معه وقد نال جائزة النادي الثقافي العربي للعام 2012، وذلك في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، في دورته الـ 56، برعاية وحضور رئيس مجلس الوزراء معالي الأستاذ نجيب ميقاتي المحترم.
لقد تماوجت ألوان الغلاف بين الأسود المسيطر والأحمر المبشِّر والأبيض المطمئن، فكأنه صورةٌ لواقع عربي يَشِي بحراكٍ هادئ، سلاحه الكلمة، والتدخُّل فيه لا يكون إلا من داخله، من المضمون الحواري الذي افترضه سعد بن محمد بينه وبين الآخر المتلقي لردودِه.
كأن السواد تعبير عما كان يعتري النفس قبل الكتابة، من ظُلمةٍ لا يهجرها الصَّمت ولا تتركها الخيبة، وكأن الأحمَرَ الذي كُتِبَت به كلمة “قيل” على الغلاف في الوسط تقريباً، هي ثورة الكتابة والاختلاج الصاخب داخل النفس الأمَّارةِ بالرَّد، وكأن الأبيض الذي كتبت به “و…رددت” يدلُّ على السلام المتحقق بعد مخاض الفكرِ الأحمر، فما أجمل أن ينقا الجو وتَبرُدَ الكلمات فتكون حماماً أبيض يرفرف في سماء لا تعرف الانتهاء.
ويبدو أن سعد فعلاً لم ينته، فهو هو عاد يبحث في لُجَجِ ذاته من جديد، يحاكي ما وراءَها المغمور بالأحداث والمواقف، لا يقبلُ التنازلَ عن لحظةٍ مرَّت رغماً عنه، يحاولُ كتابةً لأطلالِ النفس في ماضٍ، يبدو أنه لم يَدرُس عن جسد الإنسان. إنسانُ هذه الأرض المعذَّب من لحظة البداية، يوم رأى الموت والخلود فعلان يحصلان دائماً، فوقع بينهما رهين التخبط حيناً ورهين الانحياز المصطنع إلى جهةٍ حيناً آخر. لكنه الصراع، تاريخُ الحركة الذي يُمكن أن لا يكون جميلاً، فيسعى الإنسان إلى تجاوزه بالقراءة خلف الأشياء، وها هو سعد يقرأ خلف الذات والوجوه الحاضرة، فيعنون روايته الجديدة “خلف الأنا”. يحاول أن ينظُر إلى الخلف لشدَّة ما نظر إلى ما بين يديه الآن من هواجس، وكل النظر يستجدي صورةً للأنا في البَعد، لعل المستقبل يأتي بالجديد البريء.
“قيل و…رددت” هذا الكتاب الذي ينال جائزة أفضل إخراج اليوم، يمكننا قليلاً أن نتحدث عن الحاجة إليه، بهذا الشكل. إنه كتابٌ لا يقرأ كلُّه من الصفحة الأولى حتى الأخيرة في جلسة، بل هو “كتاب طاولة” كما يسمى، يبقى على الطاولة، تقرأ فيه خاطرةً أو فكرة، لا بدَّ وأنك تنشغل بها، تبدأ رحلتك بعبارةٍ وتمضي، كما فنجان القهوة يُمتِعُ صاحبَه في الصباح إذا ما اقترن بحالةٍ من داخل النفس، كذلك هذا الكتاب. إنه قهوة الحيارى، عبارةُ الملهوف إلى ردِّ عشوائيٍّ فطري، لكلٍّ يبدو في الظاهر منظم. وأكثر من ذلك، إنك معه لستَ تتكلَّف عناء تقويم الكاتب، بل إنك تقرأه واحداً من بين الأشخاص الموجودين، لكنك تلمس فيه صفاء النِّية في الرد، إنه الهذيان الضروري، في أي وقتٍ تريد.