البطل الاردني مصطفى سلامة يتحدث لـ (سيرة وانفتحت) عن مغامرته في ايفريست
قدم زافين مساء الأحد حلقة جديدة من “سيرة وانفتحت”، إستضافت المغامر ومتسلق الجبال الاردني مصطفى سلامة الذي دخل التاريخ كأوّل أردني يتسلق أعلى قمة في العالم، قمة جبل “أيفريست”.
وتحدث سلامة خلال الحلقة عن مسيرته الطويلة والمصاعب والتحديات الجسدية والنفسية والمالية الكبيرة التي واجهته من أجل الوصول إلى هدفة وتحقيق حلمه. وأهدى زافين هذه الحلقة من مدينة بيروت إلى مدينة عمان في مناسبة العيد الوطني الأردني.
المغامرة أسلوب حياة، وتحدٍّ للجسد والنفس، واختبار للقدرة على صناعة القرار. وسلامة حَلِمَ وقرَّر وتحدَّى، وأثبت لنفسه وللجميع أنه من الاشخاص القادرين على صنع القرار والتغيير. فهو، كما يقول، واحد من الاشخاص الذين لم يكن لديهم أي خيار في مسكنهم وطعامهم وطفولتهم. ومن الاشخاص الذين شاء القدر لهم أن يروا الظلمة قبل أن يبصروا النور. يقول سلامه أنه بدأ من الصفر. سافر إلى لندن وعمل هناك في جلي الصحون والخدمة في المطاعم من أجل إعالة نفسه وعائلته. وبعدها قرر الإنتقال إلى “أدينبرغ”، وتحدّى ظروفه الصعبة ونال هناك شهادة البكالوريوس في “إدارة الفنادق والسياحة” بمرتبة الشرف. عاش خلال هذه الفترة إرهاقا جسديا وفكريا، واستطاع بعزمه وقوة إرادته تحقيق مراتب متقدمة في حياته، وهذا ما دفعه إلى تحدٍّ أكبر: تسلق الجبال، وهو عالم يجهله تماماً.
مَن تحدى نفسه ومجتمعه وبدأ من جلي الصحون والخدمة في الفنادق، ووصل إلى العمل كمدير لها، كان قادراً أيضا على تخطّي عقبات التسلّق والوصول إلى أعلى قمة في العالم: “ملاحقة الأحلام المستحيلة شيء من الجنون، يجعلك لا تفكر إلا بالحلم وبكيفية الوصول إليه. أن تغير في حياتك، يعني تغيير أشياء كثيرة في نفسك. وهذا ما بدأت به بالفعل يوم قررت التغيير. غيرت أسلوب حياتي كلياً، أوقفت التدخين، أصبحت أنام باكراً، وأخضعت نفسي وجسدي لتمارين خاصة. فمن لا يكون جسمه جاهزاً، لا يستطيع عقله تنفيذ شيء”.
ويتابع سلامة :”أنجزت التحدي الكبير في الانتقال من عامل إلى مدير، وعشت غربة عن بلدي وأهلي، ولكن بقيت أخبار بلدي معي. كنت أريد أن أقدّم شيئاً ما لبلدي ولنفسي. لم يكن هدفي الشهرة بقدر ما كان تحقيق حلم وتحديا للنفس. لم أكن أعلم شيئاً عن القمم السبع، حتى أنّني لم أكن أعرف عن وجودها. كل ما كنت أعرفه أنّ إيفيرست هي أعلى قمة”.
سلامة الذي استيقظ فجأة في العام 2003 مصرّاً على أن يترك أثراً جوهريا في العالم، عبّر أمام أصدقائه عن رغبته في ممارسة هواية التسلق عام 2004 في أدينبرغ، فتعاملوا مع الموضوع بسخرية: “جلت على الصحف الأردنية شارحاً فكرتي، طالباً إيصالها إلى الرأي العام. ولم ألقَ تجاوباً إلاّ من صحيفة أردنية واحدة. اصطحبتني إدارة الجريدة الى هضبة “ارثور سيت” في ادينبرغ . وطلب مني المصوّر ان أتسلق قمة الهضبة التي لا تتعدى الـ10 أقدام، ولكنني طبعا لم أستطع فعل ذلك. وقفت هناك متسمراً في مكاني… وظنّ المصوّر أنّني أمزح”.
لم ييأس سلامة وظل يبحث عن ممول لحلمه، رغم تشكيك البعض بقدرته وبسلامة عقله كما قال. لجأ إلى العائلة الملكية الأردنية، وهناك وجد ضالته، فقد أبدى الملك الأردني عبد الله الثاني استعداده لمساعدته شرط أن يصل الى أعلى قمة في أميركا الشمالية، جبل “ماكنلي”. فقبل سلامة التحدي وبدأ رحلته وتدريباته الخاصة، وأمضى أربع سنوات في التدريبات، وتحول من موظف في فندق إلى متسلق لأعلى القمم في أميركا الجنوبية، أميركا الشمالية، إفريقيا، والقارة القطبية الجنوبية”.
وشرح سلامه خلال الحلقة أنّ الوصول إلى إيفرست لم يكن بالامر السهل، لأنّه كاد يفقده حياته: “في العام 2005 تسلقت إلى إيفرست، ووصلت إلى علو 23 الف قدم، وعدت بسبب إصابتي بأضرار بليغة في عنقي، وفي العام 2007 حاولت مرة أخرى وعدت ادراجي بسبب اصابتي بالتهاب صدري. اصبت بالاحباط والتعب الجسدي والنفسي، لكن كنت على يقين أنني سأعود. وبالفعل عدت في العام 2008 بعدما أخضعت نفسي لتمارين إضافية، وقرأت كتباً كثيرة عن أصول التسلق. يومها قلت لنفسي: هذه السنة سنتي مهما كلف الامر”.
إضطر سلامة إلى أن يبيع سيارته وشقته ويصرف كلّ مدّخراته ليحاول للمرة الثالثة، فهذه الرحلة تحتاج إلى 75 الف دولار: “فقدت كلّ شيء من أجل الوصول، وكنت أشعر باصرار وتحدٍّ كبيرين، وأشكر الله أنني نجحت هذه المرة ووصلت إلى علو 29 ألف و550 قدم، وحققت إنجازا محلياً وعربياً غير مسبوق”.
وعن أجواء الرّحلة، شرح سلامة أنّها كانت شاقّة ومرهقة، إستغرقت 72 يوماً: “أردت أن أصل إلى القمة في العيد الوطني للملكة الاردنية الهاشمية، وكان لي ما أردت. زرعت علم بلادي هناك، وأهديت انجازي هذا إلى ملك الاردن والشعب الاردني في عيد الاستقلال”.
الوصول إلى القمة كان بالنسبة إلى سلامة نصف الرحلة، لأنّ مرحلة النزول لا تقلّ خطورة وأهمية عن الصعود: “في البداية حاولت الصعود بلا اوكسيجين، ولكن لم أستطع الوقوف أبداَ. ووضعت الاوكسيجين على علو 26 ألف قدم، كان كلّ شيء من حولي أبيض، رأيت صوراً رائعة لا يتسنّى لأيّ شخص مشاهدتها، كما صادفت مشاهد مؤلمة. إلتقيت في طريقي جثثاً كثيرة لضحيا التسلق، ورغم ما سمعته عنها لكن لم أتوقع مشاهدتها في طريقي. يوجد ما يقارب المئتي وسبعين جثة، وفي كل سنة يفقد عدد من المتسلقين حياتهم في سبيل الوصول إلى القمة. هذه المشاهد ذكرتني بالموت، وبقيمة الحياة، ولكن في الوقت نفس دفعتني إلى الوصول والعودة بحماس أكبر”.
وعن أول ما فعله سلامة عند وصوله إلى قمة ايفرست قال: “صليت وشكرت ربي، ورفعت علم الاردن، وبعدها اتصلت بوالدي، وحاولت الإتّصال بملك الاردن، ولكن لم أوفّق، إلا أنّه عاود الاتصال بي وهنّأني على سلامتي وانجازي”. ويضيف: “من المهم أن يكون لديك هدف تركز عليه في حياتك. ومن المهم أن تغير أشياء في حياتك لتحققه”.
وعن حلمه الجديد يقول سلامة إنّه يحلم بتسلق إحدى جبال القارة الاسترالية، كما يعمل على تنظيم سباق بصحبة شخصيات اردنية، بهدف جمع تبرعات يعود ريعها لمركز سرطان الاطفال في الاردن.
في نهاية الحلقة شكر سلامة كلّ الذين ساهموا في إنجاح رحلاته،: “بالقرار والتصميم أنا وأي إنسان قادر على تحقيق أي حلم مهما كان مستحيلاً، كما أن الاستعداد والتركيز يجب ان يكونا نابعين من القلب”.
هي حلقة حلم وتحد وامل، تحولت الى مصدر الهام لمشاهدي سيرة وانفتحت، الذين ناموا على قصة بطل علهم يستفيقون على خير!