بالصور- مؤتمر صحفي في نقابة الصحافة وكلمة لمديرة منظمة كفى عنف واستغلال السيدة زويا روحانا
منذ طرحه على بساط البحث في المجلس النيابي اللبناني، شهد مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري حملات مضادة اتخذت طابعاً مذهبياً نظراً لصدورها عن مراجع دينية، ولقد لاقت هذه الحملة المضادة والجدل الذي أحدثته تغطية إعلامية واسعة ولا تزال.
ولكن، ما لم يجد تغطية إعلامية بعد، هي تلك الطروحات الذكورية بامتياز التي يتم مناقشة مشروع القانون على خلفيتها في اللجنة النيابية الفرعية المنكبة على دراسته حالياً. فيكفي أن تستمع اللجنة إلى مثال واقعي قدمه رجل دين ليفسر رفضه لموضوع الاغتصاب الزوجي، فيشرح للجنة البرلمانية عن حالة فتاة تم تزويجها إلى رجل لا تعرفه فلم تتقبل معاشرته، ونظرا للضغوط التي تعرضت لها طلبت توثيقها بالفراش لكي يتمكن زوجها من معاشرتها، متسائلاً (أي رجل الدين) إذا كان هذا الأمر يعتبر اغتصاباً؟؟ ونحن بدورنا نسأل، هل هؤلاء هم الرجال المؤتمنين على حياة النساء ومصيرهن؟؟؟ إلى أي درك تودون إيصالنا؟ هل يمكن أن نصل يوما إلى المستوى الذي وصل إليه مؤخراً رجل دين في دولة المغرب حلل مضاجعة الزوج لزوجته بعد وفاتها وقبل أن تدفن؟
في مجلس النواب، هناك من يعتبر النساء المعنفات حالات من المازوشية، وهناك من يطلق العنان لمخيلته فيتخوف مثلاً من أن تضع الزوجة كاميرا في غرفة النوم وتستدرج الزوج إلى ارتكاب أعمال عنيفة لتصويره والتقدم بشكوى ضده. نعم أيها السيدات والسادة، على هذا المستوى يتم نقاش مشروع القانون في بعض جلساتها، وعلى هذه الأسس يتم قبول مواد وتعديل مواد ورفض مواد أخرى، كمادة الاغتصاب الزوجي.
طبعاً، نحن لا يمكننا إدانة اللجنة البرلمانية على ما استمعت إليه من آراء، ولكن بالطبع يمكننا إدانتها إذا ما تأثرت نقاشاتها بمثل تلك الآراء، وإذا ما كان نقاشها قائما على فكر ذكوري يتناقض مع التزامات لبنان بالشرع والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وإذا ما كانت قراراتها تتحدد في إطار ما يقبل به رجال الدين وما يرفضه رجال الدين. فدور رجال الدين، وحسب الدستور اللبناني، محصور في تنظيم شؤون طوائفهم وليس في تشريع قوانين تطبق على اللبنانيين كافة. فإذا كان شرط كفالة الدولة لحرية إقامة الشعائر الدينية هو عدم الإخلال بالنظام العام (وفقا لما جاء في المادة 9 من الدستور)، ألا يعتبر التدخل في قوانين الجزاء المدنية تطاولا على النظام العام؟ إذا، في المبدأ، نحن نتطلع إلى أن تلعب اللجنة البرلمانية دورها في الحفاظ على المصلحة الوطنية العامة، من خلال المحافظة على الدور المدني للدولة اللبنانية، الدور الجامع لجميع أبناء الوطن والحامي لجميع المواطنين دون تمييز على أساس الجنس أو على أساس العرق أو على أساس الطائفة أو المذهب، والدور الملتزم بمبادئ حقوق الإنسان كما نصت مقدمة الدستور.
ولكن، من خلال متابعتنا لأعمال اللجنة البرلمانية، نأمل أن لا يكون صحيحاً ما سمعناه حول اتجاه اللجنة إلى إحداث تعديلات أساسية على مشروع القانون، منها رفض مبدأ الأسرة الممتدة حتى الدرجة الرابعة واقتصارها على الأسرة النواة، ومنها أيضا عدم تخصيص القانون لحماية النساء فقط، وإنما جعله شاملاً لجميع أفراد الأسرة، وذلك بحجة الالتزام بالدستور اللبناني الذي نص على مبدأ المساواة. ونقول لهم: ربما كانت الإيجابية الوحيدة البارزة لغاية الآن من مشروع القانون، أننا لفتنا انتباه السادة النواب إلى أن الدستور اللبناني يكفل مبدأ المساواة، علهم ينتبهون إلى أنه لا يزال هناك العديد من القوانين التمييزية بحق النساء وأن من واجباتهم كنواب السعي إلى إزالة هذه القوانين لأنها مخالفة للدستور، مثل قانون الجنسية وغيرها من المواد التمييزية الأخرى. كما نود أن نلفت انتباههم إلى قبولهم بمبدأ اللامساواة ن أن في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية فلا يكفي التذرع بضرورة فصل الموضوعين بحيث تطبق المساواة هنا ولا تطبق هناك، لأننا بذلك نكون قد أعطينا صاحب الامتيازات في قوانين الأحوال الشخصية امتيازات إضافية في هذا القانون المدني! وبالنظر إلى هذه الثقافة الذكورية التي ترافقنا من المهد إلى اللحد، يحق لنا أن نسأل هل أن الرجال يحتاجون إلى مزيد من الامتيازات لحماية السلطة التي يتمتعون بها في إطار الأسرة؟
لقد حاولنا في مشروع القانون تطبيق مبدأ التمييز الإيجابي وأردناه قانوناً لحماية النساء من العنف الأسري، ليس لأننا لا نؤمن المساواة، بل لكي نحاول سد الفجوة القائمة حالياً في القوانين الناظمة للعلاقات الأسرية ما بين النساء والرجال، بحيث تتمكنّ النساء من حماية أنفسهن وأولادهن إذا ما كانوا بحالة الخطر، ومن ردع الزوج عن التمادي في استخدام العنف بوضع حد له منذ بداياته لئلا تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، فيكون القانون بهذا حاميا لتماسك الأسر، ومعيدا لبعض التوازن في العلاقات القائمة في إطارها.
اننا اليوم نتوجه الى نواب الأمة وبالأخص أعضاء اللجنة الفرعية الموكلة مناقشة مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري لنقول لهم: لا تقيموا تسوياتكم على حساب النساء، لن نقبل بشبه قانون أو قانون مشوه فارغ المضمون ولن نتراجع عن حق النساء في الحماية من العنف الأسري ونؤكد على استمرارنا في حملتنا لتحقيق إقرار مشروع القانون كاملاً دون تجزئة أو تعديل في مضمونه.
فإذا كان فكركم الذكوري المسيطر على نقاشاتكم يوحي لكم بأن لا وجود لما يسمى بالإغتصاب الزوجي نقول لكم أن نكرانكم لهذا الشكل من أشكال العنف لم يعد مقنعاً. فهذا أمر تخطى قناعاتكم وأصبح أمام الرأي العام. إن الإغتصاب الزوجي هو من أسوأ أشكال العنف الأسري الذي تتعرض له النساء ونحن نصر على تجريمه ولن نقبل بأي مراوغة تشريعية تؤدي الى الغاء المادة التي تجرم الإغتصاب الزوجي تحت اي عذر شرعي أو إجتماعي. إنكم ملتزمون بشرعة حقوق الإنسان وهذه الشرعة تفرض عليكم الحفاظ على مبادئ الحرية والكرامة وعدم التمييز.
حضرات النواب سمير الجسر وجيلبرت زوين ونبيل نقولا وميشال حلو وغسان مخيبر وشانت جنجنيان وعماد الحوت وعلي عمار وعلي حسن خليل، وعلي عسيران، نحن نتوجه إليكم بالأسئلة التالية:
– هل أنتم مع الإبقاء على الأسباب التخفيفية لمرتكبي جرائم قتل النساء أو ما يسمى بجرائم الشرف؟
– هل أنتم مع الإغتصاب الزوجي ؟
– هل أنتم مع ضرب النساء بغض النطر إذا ما كان ضربا مبرحا أو غير مبرح؟
– هل تؤمنون بأن المرأة تشكل خطراً على حياة الرجل نتيجة للعنف الذي ترتكبه بحقه؟
– هل تؤمنون بأن العنف ضد الرجل هو ظاهرة عامة مثلما هي ظاهرة العنف ضد المرأة؟
– هل أنكم فعلا تطلبون تعريفاً للعنف؟
– نحن من جهتنا نطالبكم بتعريف للمساواة التي ترفعون لواءها في مشروع قانون العنف الأسري، فهل يدخل في تعريفكم شرطا أساسيا من شروط تحقيقها هو أن المساواة لا يمكن أن تطبق إلا بين متساويين؟
إننا نطالبكم بأن تقوموا بدوركم التشريعي كاملاً فأنتم اليوم أمام استحقاق تاريخي، إما أن تكونوا جديرين بثقة الناس أو أن تعلنوا على الملأ عدم قدرتكم على التصدي للأعراف والتقاليد والأفكار الذكورية وعجزكم عن النهوض بمجتمعكم عبر تطوير التشريعات بما يتناسب مع مواثيق الأمم المتحدة الذي التزم لبنان بها في المادة الأولى من الدستور أم أن حرصكم على عدم مخالفة الدستور استنسابي شأنه شأن مناداتكم بالمساواة.
نحن نطلب من الإعلام الذي كان شريكاً فعالاً في حملة القانون التوجه الى النواب الذين نجحوا بأصوات نسائية بنسبة 53% لإنتزاع أجوبة مباشرة على هذه الأسئلة التي طرحت اليوم حتى يتيقن الرأي العام من الذهنية والثقافة الحقوقية التي يتمتع بها ممثلوه عله يستيقظ ليلعب دور الرقيب والمحاسب.
كما أننا نتوجه الى الرأي العام نساءً ورجالاً ممن يتابعون حملتنا ولا سيما المبادرات الشبابية التي انطلقت على صفحات التواصل الإجتماعي لمناصرة مشروع القانون للإنضمام الينا في خطواتنا التصعيدية المرافقة لعمل اللجنة النيابية والتي سنعلن عنها تبعاً لما سيؤول اليه الإجتماع المقبل للجنة الفرعية التي نتمنى أن يصلها صوتنا اليوم.