رأي خاصّ- جورج خبّاز وعادل كرم في “خيال صحرا”….فصام المشاعر والذّاكرة.

باتريسيا هاشم- لطالما استقطب مسرح جورج خبّاز الجمهور اللبنانيّ الذي اعتبر المسرح “الخبّازي” بمثابة متنفّس فنّيّ واجتماعيّ لكونه يعالج قضايا المجتمع والحياة بواقعيّة كبيرة ولو كانت كوميديّة اذ عرف جورج خباز دائماً كيف يخيط مسرحيّاته على مقاس مجتمعه ووطنه إذ حملت الأخيرة رسائل في الظّاهر فكاهيّة أمّا في الباطن فمأسويّة وضعت الإصبع على جراح مجتمع بأكمله.

تميّزت كتابات جورج خباز بمضمون قيّم لناحية الحوارات والعبث بمعاني الكلمات التي تلاعب بها بحنكة متمرّس ودهاء مبدع وذكاء ريادي تفوّقت إنسانيّته دائمًا على موهبته.

وبعد غياب قسريّ عن مسرحه عاد جورج خباز إلى المسرح ولكنّه أطلّ هذه المرّة عبر مسرح كازينو لبنان وليس الشّاتو تريانو الذي لا تزال جدرانه تردّد صدى هتاف الجمهور وتصفيقه الحارّ، واختار لنفسه شريك نجاح جديدًا هو الممثّل المختلف عادل كرم لتقديم مسرحيّة “خيال صحرا” لشهر كامل نفدت بطاقاتها بعد فترة وجيزة من طرحها فارتأى المنتج طارق كرم تقديم عروض إضافيّة في زمن الميلاد نزولًا عند رغبة من لم يتسنَّ لهم مشاهدتها أو من فوّتوها وندموا بعد الأصداء المذهلة للمسرحيّة.

لا نكشف اليوم عن مضمون المسرحيّة احترامًا لصنّاعها ولكنّنا سنكتفي بالتّعبير عن امتناننا لساعة ونصف من الوقت هزّت كياننا، حرّكت ضمائرنا، عصرت افئدتنا وأثلجت صدورنا…

ديو جورج خبّاز وعادل كرم، ثنائيّ من العبقريّة والإبداع، اتّحد في رقصة وطن أزلية، وتعانق على مفترق طرق الطّائفيّة …

معًا قرأا في كتاب خذلان القضيّة وكتبا نهاية حزينة جديدة عنوانها “خيال صحرا” إلّا أنّهما شكّلا معًا خيال وطن مارس الوقوع ثم الوقوف المتعثّر على أمل قيامة نهائيّة في يوم من الأيّام…

الحوارات عبقرية كتبها جورج خبّاز بأوجاع مبرحة خلفتها الحرب اللبنانيّة وداء الطائفيّة العضال، حاك جورج خبّاز القصّة على مقاس وطن بخيوط من أمل وإبرة من مواطنيّة، وحرص على أن تكون الغرزات متينة وقويّة لكنّ القضيّة لا تحتمل مزيدًا من شرخ وانهزام ولا أن تُمسي الحقيقة ضحيّة.

قال جورج خبّاز كلّ شيء على “خطوط تماس” و”حواجز موت” المسرحيّة، فكان على تماس مع واقع لبنانيّ مرير لخص سنواته الـ ٤٩ في ساعة ونصف من الوقت، فلم يقف جورج وعادل وحدهما على خشبة المسرح، بل تعاون معهما الغضب والنّدم والخذلان، فريق لخصّ مشاعر اللبنانيّين الذين عاشوا الحرب اللبنانيّة وعانوا ما عانوا من  ويلاتها، فأعادهم جورج إلى مخاض المعاناة علّها تقلب عليهم ماضيهم وتبلسم  جراحهم وتنعش ذاكرتهم، فيكون ذلك بمثابة علاج نفسي لمن يعانون من اضطراب ما بعد الصّدمة، فيشفوا ويتّعظوا…

وليخفف جورج خبّاز من وطأة الذّكريات المؤلمة، استحضر ذكاءه وحسّه الكوميديّ وقدّم بدهاء حوارات مضحكة وهزلية فكانت الفاكهة الشّهيةّ والطّازجة على مائدة ماضٍ متعفّن ومنتهي الصلاحية

يعلم جورج خبّاز كيف يتلاعب بفضول جمهور مسرحه، فيستدرجهم بالكوميديا ليهزمهم في عقر عقولهم التي اعتقدوا أنّهم حرّروها من ماضٍ عبثي ومضطرب ونجح ككلّ مرة في التغلّب على احتمال الرّتابة او المراوحة.

أما ضيف المسرح الخبّازي هذه المرّة ، فكان من العيار المختلف، إذ شكّل عادل كرم شراكة عبقرية مع جورج خباز، ولأنّ المسرح مختلف عن الدّراما التّلفزيونيّة والبرامج الكوميديّة، لم نتوقّع ان يتفوّق عادل كرم على نفسه خلال ساعة ونصف الساعة دون استراحة، ساعة ونصف من الكلام المتواصل والحركة المتواصلة والانفعال المتواصل، يوميًّا أمام أكثر من ٢٦ ألف مشاهد خلال شهر كامل، فذلك يحتاج إلى موهبة جبّارة لا يمكن الاستخفاف أو الاستهانة بها ونجح عادل كرم مرّة جديدة في إثبات أحقيّته بلقب نجم كونه اجتهد وجدّ فوجد…

على المسرح عادل كرم وجورج خبّاز محاربان قديمان من حزبَبن متنازعَين وطائفتَين مختلفتَين يتواجهان على “خطوط التّماس” ويعيشان أقسى مرحلة عاشها لبنان خلال الحرب اللبنانيّة. أمّا في عيون كلّ من شاهد المسرحيّة فكانا على المسرح موهبتَين عملاقتَين تواجَهتا باحتراف وابداع وتميّز وشكّلتا معًا ثنائيّة مسرحيّة جديدة رائعة نتمنّى أن تتكرّر في أعمال مستقبليّة.

تابعوا قناة bisara7a.com على الواتساب لتصلكم اخبار النجوم والمشاهير العرب والعالميين. اضغط هنا

بعض من شاهدوا المسرحيّة بكَوا من فرط تأثرهم بماضٍ أليم اودى بحياة خيرة شبابنا ممّن انتموا إلى الأحزاب الطّائفيّة فدفعوا حياتهم ثمنًا لدفاعهم الأعمى عن أحزابهم.

والبعض الآخر ضحكوا من قلوبهم بسبب وفرة الحوارات السّاخرة والمواقف المضحكة التي ضمّنها جورج للمسرحيّة

أمّا نحن….فافتخرنا بنجمَين لبنانيَين متفوقَين اتّحدا لأجل تجسيد قصّة وطن مفكّك وشعب منقسم طائفيًّا ومصالحيًّا وعقائديًّا وشدّا به ليجتمع تحت راية حبّ الوطن.

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com