تحقيق: نجومنا العرب يفتقرون إلى ثقافة الاستعراض‏

ان قمنا بمقارنة الفنّ العربيّ بالفنّ العالميّ أو “الأجنبيّ” بصيغة أصحّ، سنجد فرقا شاسعا، وسنجد أنّنا نختلف في الشكل والمضمون عن العالم الغربيّ، وهذا بديهيّ، لأننا نختلف أصلا في العادات والتقاليد والمبادئ الحياتيّة والفنيّة. فنجوم الغرب، بمعظمهم، يقدّمون طقوسا خاصّة بهم على المسارح، تختلف تماما عن الطقوس المعتمدة في عالمنا العربيّ بأغلبه…فهم يتمتعون بثقافة الغناء الذي يرافقه العرض أو الـ “Show” المبهر، بينما نجومنا يفتقرون بأغلبيّتهم السّاحقة لهذه الثقافة، ويستخدمون نمطا واحدا ومعيّنا في عروضهم الغنائيّة.

هناك، يعتمدون على الأغنية الضاربة، ويهتمّون للكلمات والألحان، ولكنّهم بالمقابل يسندون أهميّة بالغة للعروض التي يقدّمونها في حفلاتهم الفنيّة، واطلالاتهم المسرحيّة والتلفزيونيّة…فالنجمة العالميّة بيونسي تعتبر خير مثال، فهي مشهورة بعروضها السّاحرة رقصا وغناءا واستعراضا، اذ أنّها تبهر الجميع باطلالاتها المختلفة، وتتمتّع بمرونة عالية و ليونة جسديّة باهرة، كذلك شاكيرا التي تقدّم عروضا من الطراز الرفيع، الى جانب الهيتات التي تقدّمها، وتكثر الأمثال من بريتني سبيرز الى الليدي غاغا، الى مادونا، الى كريستينا أغيليرا وغيرهن، ممّن يظهرون على النّاس بشكل متجدّد و بعروض أكثر ابهارا وامتاعا، ممّا يجعلهم دائما حديث النّاس والعالم لأيام بعد اطلالاتهم.

بينما في عالمنا العربيّ، نفتقر الى ثقافة العرض، أو قانون الابهار، ونكتفي بالاعتماد على الخامة الصوتيّة والموهبة الجبّارة، فنجومنا لا يقدّمون عروضا راقصة، وأغلبهم لا يعر اهتماما للموضوع، بل ومنهم من يرفض الرّقص و “يتصبّر” أمام الكاميرا، باهرا ايّانا بأدائه الصوتيّ المميّز فقط!

وهذا ليس بعيب، ولكنّ الزمن تغيّر، والفنّ في تبدّل مستمرّ، كما أنّ العين تملّ و تضجر…ونادرا ما نشاهد عرضا استعراضيّا على مستوى عالميّ لنجم أو نجمة من العالم العربيّ…بعضهم يبدع، ويخرج من عباءته فقط في الكليبات، ليعد و “يتجمّد” أمام الكاميرا في العروض المباشرة والاطلالات التلفزيونيّة والبرامج الغنائيّة!

ولكن، لكلّ قاعدة شواذ، ويأتي الشواذ هنا ايجابيّا بل ايجابياً جداً ، فالمثال الأبرز على السّاحة الغنائيّة في العالم العربي، هما النجمين راغب علامة وعمرو دياب من الجيل الثاني وهما وبالرغم من مسيرتهما الفنية الطويلة يعدان من اكثر النجوم حركة وشغباً وفرحاً على المسرح والاكثر اثارة للجمهور الذي لا يستطيع ان يلازم مكانه دون التفاعل معهما والرقص بدون كلل ام ملل حتى ساعات الصباح الاولى، بحيث يبثّان في جمهورهما الحماسة الكبيرة والشغف بالموسيقى ولهما قدرة على جذب كل حواسهم وهذا ما كرسهما نجمين كبيرين على الساحة الغنائية.

أمّا في أوساط النجوم الشباب، فيبدو أنّ النجوم “تامر حسني” هو الوحيد الذي يرفق اطلالاته على المسرح بعرض غنائيّ راقص، ولذلك أطلق عليه لقب “ملك الجيل”، لقربه من أجواء الشباب وصيحاتهم….

ولكن لا يمكننا ان نتجاهل ملوك الدبكة والفلكلور والهوارة ونذكر منهم النجوم عاصي الحلاني و محمد اسكندر وفارس كرم فيرقصون و ويدبكون ويشعلون الأجواء حماسة الا ان ذلك لا يعّد استعراضاً معاصراً .

نذكر ايضاً من الفنانات النجمتين “ميريام فارس” و “هيفا وهبي”، التين حوربتا كثيرا في بداياتهما وتمّ تصنيفهما ضمن فنانات الاثارة، ولكنّهما بموهبتهما الفّذة وقدراتهما العالميّة المستوى، استطاعتا أن تستمرّا وأن تكرّسا صورة المرأة الممتلئة أنوثة، وصاحبة الصوت الجميل المرافق لعرض استعراضيّ يخطف الأنفاس…

وهنا طبعاً لا نقصد الأكسسوار الخاص والملابس وما الى هنالك، بل القدرة على التحرّر من عقدة الجسد المنتشرة، والرقص باحتراف وأداء رفيع على المسرح، بحيث تستطيع المرأة الفنانة – لان الرجل الفنان يكتفي بالتفاعل مع الجمهور والتحرك على المسرح والرجل الشرقي مهما كان منفتحاً على الغرب لا يتقبل فكرة الرقص امام الجمهور – فتستطيع الفنانة اشعال الأجواء و نشر الحماسة في الجمهور المشاهد….

بينما ان أردنا أن نتابع في سرد أسماء أخرى سنعجز عن ايجادها، لأنّها نادرة جدا ولو ان الفنانات ككارول سماحة وباسمة وميسم نحاس وكارول صقر وسيرين عبد النور يحاولن دائماً اضافة بعض الحياة الى حفلاتهن من خلال التمايل احياناً وحركات اليدين والرأس احياناً أخرى ولا يقفن جامدات على المسرح رغم أنّ صوتهن يؤهلهن لشدّ أنظار الجمهور اليهن بدون الحاجة الى حراك، لكنّهن يقدّمن لوحة تمثيليّة راقصة راقية في أغلب اطلالاتهن الا ان ذلك لا يعني فعلاً ولا يعّد استعراضاً ….

بينما نجد أنّ أبرز النجوم والنجمات، وخاصة الذين يقدّمون اللون الراقص، أو الشعبي و الفلكلور، بعضهم يفتقر لهذه الموهبة، وأبرزهم النجم “ملحم زين” الذي لم أره في حياتي يتحرّك على المسرح، بينما يفعل في أغنياته ما لا يستطع فعله أيّ نجم، فترى الصّالة تهوج رقصا و حماسة، بينما لا يحرّك له جفن!

وحتى بعيدا عن الرّقص والعروض الحركيّة الباهرة، ان القينا النظر على أغنياتنا العربيّة، لا نجد فيها جنونا، ولا خروجا عن “بلاستيكيّة” الأداء، الّا نادرا، بينما تصادفنا كميّات هائلة من العرب، والتطريب، وتأسرنا طاقات هائلة و مواهب جبّارة….وأستشهد هنا بكلام النجمة السوريّة “أصالة نصري” في احدى لقاءاتها القديمة مع الاعلامي “نيشان ديرهوتونيان”، حين قالت أنّها تتمنى أن تصرخ في احدى أغنياتها، أن تخرج عن المألوف، أن تقدّم شيئا مختلفا….كما تفعل كلّ من ماريّا كاري و سيلين ديون، وبيونسي وغيرهنّ من العالم الغربيّ!

يبقى هذا الأمر نسبيّا، فمنّا من لا يحب ّ الاستعراض، ويحبّذ الأسلوب المعتمد عربيّا، ومنّا من يتوق الى رؤية كل جديد من قبل نجومنا العرب…لذلك نحن بانتظار أن يتعلّم الفنّانون من الآخرين، كيف يستطيعون جذب المشاهد بعروض استعراضيّة ضخمة تحاكي الزمن، مرفقين ايّاها بأداء صوتيّ قويّ، وحضور آسر….والا ستبقى ميريام فارس وهيفا وهبي و كارول سماحة وراغب علامة وعمرو دياب وتامر حسني وغيرهم القليل استثناءات عربيّة…ومحض استثناءات!

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com