رأي خاص- الى صنّاع الدراما العربية: تجرّأوا واخرجوا من عباءاتكم الدافئة ومنطقتكم الآمنة فالـ “تراند” لا يشبع خبزًا

عندما يقرّر اي كاتب جديد ان يتقدّم بقصته او مسلسله لأي محطة او شركة انتاج يجب ان يتوقع ان يستخف الجميع بموهبته وبه على حدّ سواء. فهذه طبيعة الشعب العربي الذي يفضّل دائماً ما جرّبه سواه على ان يغامر ويكتشف جديداً بنفسه ويتبناه. وقد اعتدنا على تصديق ما ينصح به الآخرون لا ان نقود تجربتنا الخاصة ونعيش مراحلها وتفاصيلها. مثال على ذلك نحن نسافر الى الاماكن التي نصح بها الآخرون ونزور المطاعم التي اشاد بها الآخرون ونشتري السيارة التي ركبها قبلنا آخرون.بإختصار وهذا ليس بجديد اننا شعوب تتأثر برأي الأكثرية حيث نجد انفسنا بغنى عن المغامرة وتجربة جديد، فنستسهل الطريق ونمشي على خطى الآخرين.

بينما الشعوب التي تقدّمت وتطورت هي تلك التي حاولت وفشلت وقعت ثم شامخة وقفت، فتفوقت.هي تلك المؤسسات التي تبتكر ولا تقلّد، هي تلك الصناعات التي تجرأت على التغيير والتعديل ولم تراوح مكان أمانها،

كل ذلك لأقول اننا شعوب تهاب التغيير والمبادرة لأنه قد يكلفنا ذلك استقرارنا وأماننا، فلمَ اذاً تكبّد عناء المحاولة والتجربة، فبرأينا ما يعرفه الآخرون افضل الف مرة مما نجهله ولا نفقه فيه شيئاً وما جربه وخبره الآخرون هو دائماً “الأفضل” كوننا نرفض ان نكون حقل تجارب وبالتالي نعتمد ما نصح به اولئك “الآخرين”.

هذه الحالة الشاذة امتدت الى كل الصناعات والابتكارات والمشاريع حتى ان هذه الظاهرة امتدّت الى الفن فتحوّل الأخير الى نسخة طبق الأصل عن بعضه…فيكفي ان يتجرأ فنان او شاعر او ملحن او موزّع او مخرج على ابتكار جديد، حتى يقلّده الباقون ويستنسخوه،  لذا نسمع كل فترة عن “موضة” غنائية جديدة تتحوّل الى كابوس فنّي بسبب التقليد الاعمى وتشابه الاغنيات والاعمال المصورة .

وامتدت هذه الظاهرة لتشمل الانتاج الدرامي، فحالما تنجح قصة مسلسل معيّن حتى تطالب المحطات والمنصات بصورة طبق الاصل عنها في سباق هوسي الى التعاون مع الكتاب والممثلين والمخرجين انفسهم كون “الخلطة السحريّة” يجب ان تكون مطابقة للمواصفات. لذا تشهد الدراما مؤخراً على “موضة” من نوع آخر، موضة موسمية لكل فصل من السنة  تنوّعت بين القتل والدماء، الزواج والخيانات، الدين والنساء المحجبات، تمكين المرأة والمطالبة بحقوقها، تجار السلاح والاجساد، المافيا وتهريب البشر والممنوعات.حتى باتت المسلسلات متشابهة في الزمان والمكان،  لأننا لا نتمتع بالجرأة الكافية لكسر خوارزميات التقليد ولا الشجاعة الكافية لتعكير صفو منطقتنا الآمنة وهذا ما نفّر المشاهدين الذين اختنقوا من تكرار الاعمال التي سادها الظلام والكآبة وغطتها الدماء ولوثتها الجثث واجتاحها صوت الرصاص ولم تعد متنفساّ ممتعاً للاستمتاع بل تحوّلت الى عقاب وتلف اعصاب فقط لأن الجميع يخشى ان يتبنّى مواهب جديدة او افكار جديدة غير تقليدية خارجة عن المألوف حتى لو كانت لا تشبه شيئاً مما اعتدنا عليه او اعتاد علينا،

تجرأوا يا سادة واخرجوا من عباءاتكم الدافئة، اخرجوا من اوكاركم الآمنة وكونوا سباقين الى اكتشاف افق جديد، دمّ جديد، رؤية جديدة… اي شيء جديد، شرط ان يكون اصلياً وليس نسخة عن اي شيء آخر،  فمن لا يجازف لا يفوز ومن لا يتجرأ يراوح مكانه  .

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com