جـمهوريَة نـجوى كـرم
لم تكن نجوى كرم امراة عادية على الإطلاق.. كانت وطـناً بأكامله، كان لبنان يرزخ تحت وطأة الحرب الاهلية هي الأقسى والأفدح في تاريخ الوطن الأرز والزنابق والليلك واللوز والحنين إلى البراءه الاولى وكانت بيروت منقسمه ومشروخه من الداخل و ضائعه في وسط كل الجهات المحاربه . كان القتل لغة الـحياة اليومية في الثمانينات الحزينة والدم يلمع الأرصفة القديمة والساحات، فيما إبنة زحلة من الريف مثل شمس الضحى تعلو من خلف الحكام “ما بينطال البرج العالي ولا بينباع وطني الغالي” وسط ضجيج الحرب البشعه، وسط الدمار والإنهيار والحزن. كانت السيدة نجوى كرم هي وحدها آنذاك الوقت حاملة في أول يومٍ له ” الأغنيه اللبنانيه” كانت أجمل امرأة وصاحبة أقوى صوت من بين أصوات المطربات في ذلك الوقت .
تلك المرأة اختزلت كل شئ في صوتها الغريب الغامض غموض السماء في ليل حالك ويا مرحبا يا ليل ومثل المدى والضباب لقد كان هذا الاكتشاف ” إعصاراً ” هائلاً يحمل في طياته البراءة والحلم والوطن . وسرعان ما تحول إلى مدرسة تقليدية في الغناء اللبناني والعربي وأخذ يزعزع أركان بناء الموسيقى الثابتة في الأرض عبر سنوات من الترطيب والترجيع و التنويم وتخدير مشاعر المتلقين، فاتمدت بغنائها إلى عمق التربة اللبنانية حيث امزجت بجذور الأرز الشامخ. نجاحها كان وطنيـاً وثورياً على أوسع النطاق، كان صوتها مفاجأة وهجومها ساحراً لا قدرة لأحد على مقاومته . و انهزم الجميع من ابناء جيلها وبقيت نــجوى كـــرم إسماً ساطعاً في المدى وعلامة لبنانية بامتياز حيث أنها وقفت عند القضية اللبنانية في حين أن أبناء جيلها تخلوا عن هذه القضية فمنهم من مزج صوته بلهجات متعددة وآخرون تناسوا هويتهم… فقضيتها قضيتي ولا أحد يجرأ على منافسة قضيتنا لأننا لـبنانيين في الصميم ولم ولن نتأخر عنك يا وطني ويكفي أنك أنجبت نـجوى كرم إسمـاً محفوراً في ذكراك وذاكرة الأغنيه اللبنانية وسيبقى صوتها يتحدى الزمن ويزرع في الروح عالماً كاملاً من البهجة والجمال والمشاعر التي تصل إلى حد الفرح، ويكفي أن تجمعنا يـا وطني على صوتـها .