رأي خاص- بعد الهزء من مسلسل “ستيليتو”، هل نجحت محطاتنا العربية في استنساخ الدراما التركية؟
لن اكتب عن مسلسل “ستيليتو” اليوم واقارنه بالنسخة التركية الاصلية وهي Ufak Tefek Cinayetler او “جرائم صغيرة” الذي عرض عام ٢٠١٧، فإن فعلت ذلك قد اقع في فخّ المقارنة بين العملين وهذا الأمر لا ينجح دائماً.
فإن النسخ العربية للمسلسلات التركية ربما تضمن لنفسها جماهيرية كبيرة ان لم يكن المُشاهد العربي قد تابع بالاساس النسخة التركية الاصلية لكن مع الانفتاح الحاصل على الاعمال التركية والاقبال غير المسبوق عليها، لم تكن المقارنة ابداً حتى الآن لصالح النسخ العربية. فمن شاهد مسلسل “عروس اسطنبول” واغرم بأداء اصلي انفر واوزجان دينيز وايبيك بيلجين.
ومن تابع مسلسلİyi Günde Kötü Günde للبطلة المعشوقة في الوطن العربي الشين سانجو والذي تحول الى نسخة عربية حملت اسم “عالحلوة والمُرة” على شاشتنا العربية كذلك مسلسل “جرائم صغيرة” ، سينحاز تماماً للمسلسل التركي ولكن هذا لا يعني انه لن يدعم النسخة العربية ويصفق لنجومنا المبدعين كذلك هذا لا يعني ان نغض الطرف ونعبّر عن اعجاب اعمى لزوم المجاملات والحس العربي والوطني. فلا علاقة للدراما بالانتماء. فلا يتعدى الموضوع كون تأثير النسخة الاصلية اكبر على المشاهد العربي، فتستهويه القصة والابطال واماكن التصوير والاخراج والحوارات والاحداث ويمتلىء اعجاباً بكل هذه التفاصيل ويعيشها ويعيش معها ويتفاعل الى حدّ كبير مع الابطال ويتعاطف معهم وينتظرهم بفارغ الصبر من اسبوع الى اسبوع ولا يفهم ما اتحدث عنه الا هواة وعشاق الدراما التركية وفجأة وبعد اشهر او سنوات قليلة تعرض المحطات العربية او المنصات نسخة طبق الاصل عما سبق وتابع فماذا نتوقع منه ان يفعل بنسخة بعد ان اصابته الاصلية بالتخمة؟ فمن يحتمل الجلوس الى مائدة وهو عائد من وليمة؟
الوطن العربي بأكمله يشاهد المسلسلات التركية عبر مواقع خاصة او على تطبيق “يوتيوب” وتطبيقات اخرى متخصصة فما هذا الاقبال غير المبرر لتحويل مسلسلات تركية ناجحة الى نسخ عربية مستنسخة حتى ولو كان ابطالها عزيزين على قلوبنا جميعاً وحتى لو كنا ممنونين من سوق العمل الذي شُرّع على مصراعيه لممثلي لبنان وسوريا وغيرهم، الا ان الذي لم استوعبه حتى اللحظة لماذا لا تعرض المحطات العربية النسخ التركية الاصلية مدبلحة وتنتج اعمالاً عربية اصلية وتشجع الكتاب العرب الذين يقفون في طوابير بانتظار شركة او محطة تثق بموهبتهم؟
لماذا نتبنى خيال الكتّاب الاتراك ولا نطلق العنان لمخيلة كتابنا الذين ان منحناهم الفرصة سيعالجون قضايا وحكايات قد تتفوق على كل ما سبق وشاهدناه.
ربما يخرج البعض الآن ليقول ان بعض المسلسلات التركية هي بالاصل نسخاً عن مسلسلات كورية. صحيح! لكن الاتراك اخدوا لبّ القصة الاصلية وغمّسوه ببيئتهم ومجتمعهم وعاداتهم وتقاليدهم وفكرهم وحضارتهم وخرجوا بنسخة كورية الهوية تركية الهوى وهنا يكمن الذكاء في استيحاء قصة اجنبية وتحويلها الى رائعة تركية تدغدغ المجتمع التركي لأنها باتت تشبهه الى حدّ بعيد وهذا ما يبرر استهزاء المُشاهد اليوم من المسلسلات العربية -تركية الاصل- التي لا تشبهنا بشيء حتى انه في بعض الاحيان خسرت الكثير من قيمتها حين فشل الكتاب العرب بمعالحتها فأتت الحوارات باهتة ومملة والمضمون فارغ من اي عامل جذب او قوة فراح المشاهد يسخر من بعض المواقف التي تحولت الى سكيتشات كوميدية على تطبيق “تيك توك” وغيره.
بالعودة الى مسلسل “ستيليتو” الذي نشرّحه في مقال لاحق، لا بدّ من ان نتأسف على مشاركة نجوم شاشتنا العربية المبدعين في مسلسل لا يليق بمسيرتهم ولا بقدراتهم ولا بتاريخهم حتى لو جيّرت للمسلسل ميزانية تضاهي انتاج كل ما سبق وشاركوا فيه من اعمال درامية خلال مسيرتهم التمثيلية الا ان الميزانيات الكبيرة والقصور العظيمة والازياء والبراندات العالمية لا تصنع عملاً عظيماً فبات المُشاهد العربي يتابع المسلسل بذهول وفضول في آن…الذهول بسبب الاعجاب بالانتاج الكبير وجمال اسطنبول واماكن التصوير الفخمة والفضول بسبب سؤال اساسي يطرحه على نفسه بعد كل حلقة من المسلسل “كيف وافق هؤلاء المبدعون مجتمعين على هكذا قصة “؟
سؤال يبقى برسم الابطال المشاركين وشركة الانتاج على امل ان يتقبلوا بمحبة رأينا الذي نقلناه من كل بيت عربي يشاهد اصحابه المسلسل بسبب الفراغ المخيّم على معظم شاشاتنا العربية التي تراجعت عن انتاج مسلسلات كثيرة في السنوات الاخيرة فوجد المشاهد نفسه مجبراً على متابعة ما هو متوفر على المنصات الا ان ذلك لا يعني انه منحاز لهذه المسلسلات بل يعتبرها افضل المتوَفّر.
يبقى ان نرفع الصوت مرة جديدة ونطالب بانتاجات عربية كثيرة ونفعّل اكثر هذه الصناعة وندعمها فينقلب يوماً ما السحر على الساحر فنشاهد مسلسلاتنا العربية على اهم المحطات والمنصات التركية كما سيحصل مع مسلسل “الهيبة” بأجزائه الخمسة، من يعلم…؟