الغيرة في العلاقات العاطفية… قلة ثقة بالنفس وعدم احترام للذات

معظم البشر عرضة للغيرة ولكن يتفاوت الشعور بها من شخص إلى آخر. الغيرة عاطفة انسانيّة طبيعيّة لشعور يميل إلى الخروج عن السيطرة اذا أخفقنا في البحث عن أسبابه ومعالجتها. الغيرة في الواقع شعور من ضمن كتلة كاملة من المشاعر التي ترتبط بعضها بالبعض الآخر مثل الغضب، الخوف، الأذى، الخيانة، القلق، الهوس، الذعر، الحزن، الكآبة، الوحدة، الرغبة، الحسد والشعور بالعجز.

الشعور بالغيرة يَظهر في العلاقات العاطفيّة وهو ناتج عن قلة الثقة بالنفس وعدم احترام الذات وتقديرها وأيضاً الخوف من المجهول ومن فقدان السيطرة على العلاقة مما يؤدي إلى تدميرها. كذلك احياناً تكون الغيرة هي الاشارة السلبية لحب التملك والسيطرة وعدم النضج والأنانية.

الشخص الغيور يبدو غير مطمئن وقلق من الأسوأ ويشعر بعدم التكافئ مع شريكه ودائم الخوف من مقارنته مع آخرين وهذا ما يجعل منه انسان متألم غير متزن وفي بعض الأحيان قد تصل به الأزمة إلى حدّ فقدان الصواب كما تشير الاحصاءات إلى ان خمسة وثلاثين بالمئة من جرائم القتل ناتجة عن الشعور بالغيرة.

لقد حاول العديد من الناس أن يقمعوا مشاعر الغيرة في داخلهم (الرجال على الأرجح ينكرون الشعور بالغيرة أكثر من النساء) ولكنهم فشلوا في هذا وقد باتوا يتحججون ان الغيرة أمر طبيعي وحتمي ومفيد جداً لتنشيط العلاقة وضروري احياناً.

ان الشعور بالغيرة هو اكثر تجذراً من مشاعر الود في الحياة بالرغم من ان الاثنان يمكن ان يكونان في العديد من الأوقات متشابكان وهذا يمكن ان يسبب التشويش للشخص في الاستيعاب بموضوعية اكثر.

الغيرة عندما تصبح هوساً…
يَظهر لنا أن الوقوع في الغيرة هو أمر طبيعي كالوقوع في الحبّ. أحياناً، قليل من الغيرة يُنشط العاطفة ويُجيّشها إذا ما بقيت في حدود اللهفة والشوق والرغبة. لكن، الغيرة تصبح مدمِّرة للعلاقة العاطفيّة بين الرجل والمرأة حين تطورها لحدود الهوس والقلق المستمر والشكّ القوي في الشريك واتهامه بالخيانة لتصل إلى حدّ مراقبته أو التجسس عليه وعلى الشخص الذي يُفترض أنه “المنافس”. فإذا ما استسلم أحدهم للغيرة “المذعورة” تبدأ التخيلات تتسلل إلى عقله فيقتنع بأن شريكه يخونه وأنه يعمل على الإساءة إليه أو اذلاله. فالأوهام تسيطر عليه وينتج عنها مجموعة من التساؤلات الدائمة مثلاً هل جاءت اليه؟ هل رآها؟ هل كلمها؟ هل يحبها؟ هذه الشكوك السامة قد تكون قاتلة لأي علاقة فالشريك يتعب من الاتهامات تلك، خصوصاً، عندما تكون غير مبررة وظالمة فيقرر الابتعاد والانفصال.

غيرة النساء… والمنافسة الشديدة
ان عدم الثقة بالنفس وعدم الاحترام والتقدير للذات والخوف من المجهول هو ما يجعل بعض النساء يشعرن بالغيرة في أغلب الأحيان، فيضعن أنفسهن موضع المقارنة والمنافسة. فتُجاهد المرأة بكدّ لكي تصبح في نظر حبيبها الأنثى المثاليّة والأكثر شعبيّة فتسعى بذلك لتكون أفضل مِنْ منافِستها وخاصة عندما تكون “المنافِسة المفترضة” ناجحة، ذكية، وجذابة الخ… هذا ما يقودها للتعديل في طبيعتها ولعب دور الشخصيّة الأكثر رغبة، أَو الشخصيّة “الأنثويّة” الأكثر سروراً فيبدأ التنافس الشديد مع الأخرى لكي تصبح الأنثى الأكثر جاذبيّة جسدياً، الأكثر جمالاً، الأكثر ذكاءً والأكثر إثارةً في محاولة منها لكي تكون الأفضل ضمن هذه المعايير بدلاً من أن تصبح فريدة ومختلفة جوهرياً عنها بإعادة بناء نفسها من صميم أعماقها الداخلية في طبيعتها وشخصيتها وهذا ما يضعها خارج المقارنة.

تجدر الإشارة إلى أن ما يدفع المرأة للسعي الدائم للحفاظ على شريكها والاستمرار في العلاقة معه ليس بالضرورة الحب بل أحياناً الخوف من الشعور بالنقص بسبب الهزيمة التي ستلحقها بها امرأة أخرى.

من هو الرجل الأكثر غيرة؟
على نفس النمط، الرجال يُحاولون ان يكونوا الأذكى، الأقوى، الأغنى، الأكثر وسامة ويُريدون التنافس مع الرجل الآخر ضمن هذه المعايير الواضحة المعالم. ولكن الرجال أكثر قلقاً من النساء حول حماية العلاقة ويشعرون بالسوء ان جرى التقدم عليهم من قبل أي رجل آخر. وأشير الى ان الرجال الغير مخلصين هم الأكثر عرضة للغيرة.

المرأة تفكر بالانتحار… الرجل يغضب
ان شَعَرَ أحد الشركاء بأن تهديد فعلي يحيط بعلاقته العاطفيّة وقد يؤدي ذلك إلى تدميرها، في اغلب الأحيان سينتج عنه رد فعل عنيف كالغضب من الشريك (رجال اكثر من النساء)، والفضول المريض، ونقد ذاتي حاد، وكآبة وأفكار سوداء كالانتحار (نساء أكثر من الرجال)، والأنانيّة، والتخلي عن الآمال والخطط المستقبليّة.

الادراك اولاً والاعتراف ثانياً…
اذا كانت الغيرة قضية مهمة ومؤثرة على حياتك واستقرارها، لا يمكنك ان تحمي نفسك عبر الانعزال والانغلاق بإخفاء مشاعر الألم في نفسك. لذلك عليك أن تحاول فهم سلوكك ومن ثم يمكن ان تبدأ الخطوات الصحيحة في معالجة نفسك.

الحل الأساسي للعديد من الأفكار والتوقعات اللاعقلانيّة هو الهجوم المضاد بالتفكير العقلاني والحكيم. على المعنيين الادراك أولاً والاعتراف ثانياً بنقطة واحدة شديدة الأهمية وهي أن (الغيرة الحادة) لا تثبت (الحب الحقيقي) بين شخصين بل هي في الحقيقة تعكس المصلحة الشخصيّة والانانيّة وحب التملك بدلاً من الحب الحقيقي والصادق المتبادل.

كيف يمكنكم ان تخلقوا علاقة عاطفيّة محصنة ضد الغيرة؟
كيف السبيل الى تكوين شخصيّتكم لكي تصبح اكثر استقلاليّة؟
كيف يمكنكم ان تضعوا أنفسكم خارج المقارنة والمنافسة؟
كيف يمكنكم بناء علاقة أساسها التقدير والاحترام ومشاركةً حرةً في الحياة؟

معروف ان الجينات عامل وراثي مهم. لكن تتبلور شخصيتكم بالتربيّة أولاً. ومن ثمَ تؤثر الخبرة الإنسانيّة والحياتيّة والثقافيّة عليكم فتجعلكم أشخاصاً محصنين لتصبحوا بذلك أكثر ادراكاً وعمقاً وتقديراً لأنفسكم.

هذا ما يجعلكم ترتفعون عن الأشياء الماديّة في الحياة وبذلك تصبحون أكثر حرية مما يجعلكم قادرين على توجيه أنفسكم نحو طموحكم الخاص لتحقيق أهدافكم والمحافظة عليها. فتصبحون اذاك أكثر ثقة بنفسكم وأقل أنانيّة وأقل غيرة فتضعون أنفسكم خارج إطار المقارنة نظراً لاقتناعكم بأنكم أصبحتم أشخاصاً استثنائيين وفريدين ويتعذر استبدالكم ولا يستطيع أن يضاهيكم أحد. هكذا تضعون أنفسكم خارج المقارنة والمنافسة والاستبدال وفي مأمن من الإدعاء ومن الغيرة. فالعلاقات الجوهريّة الصافيّة تخلو من الأنانيّة، لينشأ الحب بين الرجل والمرأة على التفهم والتفاهم والتقدير والاحترام فتسقط عندئذ قاعدة المقارنة والمنافسة والخطر من التخلي عن الآخر واستبداله.

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com