رأي خاص – نجوم السماء والأرض هتفوا باسم الملك وائل كفوري في مهرجانات الأرز
راكيل عتيق: عادت مهرجانات الأرز بعد خمسين سنة من الغياب بافتتاح ملوكي وتنظيم حضاري يليق بموطن جبران خليل جبران ، موطن الفكر والقلب والروح. من جبال أرزالرب بين الأرض والسماء أطل “الملك”. أتى مكتملاً ، ممتلئاً ، متوهجاً تماماً كالبدر الظاهر من وراء التلال فأضاء ليل بشري وأدفأ الحضور بحرارة صوته وبأدائه الساحر. إنه “الملك” وائل كفوري.
دخل على وقع موسيقى موال للأرز وبأغنية للجيش اللبناني.
أسباب عدة أوصلت هذا الفنان لما هو عليه اليوم ولمشاركته في جميع المهرجانات اللبنانية والعربية من المغرب العربي إلى بيروت وصولاً إلى قمم جبال الأرز ، فللفن أصول ومعايير…وللفن سياسة أو سياسات تماماً كما السياسة فن. تُوِّج ملكاً بإرادة “إلهية” ، فالصوت ناضج ، قوي وعميق منذ الولادة. إنها الموهبة.
لكنه لم يكتف بتربعه على عرش “مملكة الصوت”. خطط ، اجتهد ، عمل ونفذ سياسة ذكية تكتيكية من خلال “الظهور والاطلالات” واستراتيجية على مدى السنين عبر الهدوء والتروي والابتعاد لتتضح الرؤية ويتم اختيار الأغنيات كلاماً ولحناً بحنكة ومهارة.
فالصياد “الأصيل” ينتظر طريدة “مميزة” ويصطادها بطلقة واحدة عوض اسقاط الطرائد الكثيرة المتشابهة واهدار “رصاصات” الصوت في فضاء سطحي فارغ. امتلك الاسلحة اللازمة “عتاداً” و “عديداً” ، واجتاح الممالك والأوطان. أسقط عروش “الملوك” الوهميين ،احتل القلوب وجمعها داخل مملكة واحدة موحدة. مملكة “الاوف والموال” والرومنسية. مملكة “الكفوري”.
تختلف آراء النقاد أو تجمع على صوت أو على فنان . تتمايز حسب “المدارس” ، حسب المعايير المتبعة ، وبالتأكيد حسب الذوق . من “يمارس” الفن، من يتلقى الفن ومن ينقد الفن ، أطراف يجمعها “الاحساس”. فالفن ليس علماً مادياً جامداً يُقوّم وفق أسس ثابتة . إنه ببساطة “مخلوق” من إحساس ولا يولد إلا الاحساس . فإن لمسك الفن ، نجح “الفنان” . وكيف إن تغلغل داخلك ، إن أوقد نار أحاسيسك ولهاً واشتياقاً وحنيناً وغضباً وعتباً وألماً . عندها لا يكون نجح فقط بل تفوق وأبدع.
يوم الأول من آب في لبنان كان يوم عيد الجيش. في الأرز كان العيد “عيدين”. آلاف الأشخاص هتفوا ، نادوا ، صفقوا ، فرحوا ، اشتاقوا وبكوا بفعل “صوت واحد” .
إن تميز الانسان عبر موهبة ما أو عبر تعلم واتقان مهارةٍ ما يستطيع أن ينجح. ولكن عندما تجتمع فيه صفات عدة وتمتزج الموهبة بالمهارة فحينها يرتقي عمله و”فنه” لدرجة التميز والتفرد. اندمجت وتوحدت “مفاتيح” النجاح في وائل كفوري الفنان. صوت جبلي قوي مضاف إليه إحساس عالي وجرعة “سكر” رومانسية زائدة. وسامة مضاف إليها حسن اختيار “اللوك”. كاريزما وعيون آسرة مضاف إليها اتقان “النظرة” وكيفية توجيهها.
بعيد غامض، وكل ما هو غير ملموس وغير مملوك يُشتهى أكثر. متعالٍ عن “الكلام” الذي يستنزف الصوت هباءً. قليل الظهور يترك فسحة غياب ليبقى “مطلوب” ومرغوب.
عندما يغيب الفنان ويبتعد ويعود بألبوم من ثمانية أغاني فقط ذات لون واحد، ويتلقفه “الجمهور” ويلتهمه كوليمة “الفطر” بعد حرمان “الصوم” ، حينها ما من قيمة للنقد وللتعليق على تفاصيل بسيطة . فبعد ربح “الملك” الحرب دون أي خسائر تُذكر لا يمكن الا الوقوف والتصفيق ومشاركته نخب النصر.
افتتح وائل كفوري مهرجانات الأرز إلى جانب الموسيقي ميشال فاضل والفنانة اليسا بحفلٍ ناجحٍ صاخبٍ . فالملك “يجتاح” المدن والجبال ويسيطر عليها بإرادة شعوبها. الآلاف هتفوا معه أغنياته القديمة والحديثة .انتظر الجمهور الفنان “البقاعي وأصله من زحلة” ورقصت أغصان الأرز وتمايلت على أنغام “صوت السهل”.
في بدايات مسيرته الفنية معجبات ومتيّمات تمنين أن يشاركنه “عرزاله” عندما لم يكن يملك القصور وعندما لم يعدهنّ “بنجوم الليل”، وبعد مسيرة ناجحة انتظره في بشري “نجوم” السماء والأرض.
شكر الجميع على حضورهم وتوجه إلى رئيس حزب القوات اللبنانية قائلاً: “حضورك فعل حرية وتحيا الحرية.”
غنى “لبنان يا قطعة سما” بإحساس فريد موازياً أداء الراحل الكبير وديع الصافي الذي وقف قبله بجوار الأرز.
تفاعل وغنى معه جمهور واسع وكبير بحرارة طغت على الطقس البارد مما زاد من “حرارة” صوته وجسده. مرّ الحفل كنسمة هواء صيف عابرة فهو كعادته لا يفرغ “ذاته” في أعين الحاضرين لحد التخمة . الخلطة الفريدة من نوعها لا تُقدَم إلا للتذوق كي يبقى للرغبة والاشتهاء مكاناً .
وعطريقتك الأرزات بتقللك:
“يا كفوري يا عطر الورد الجوري صوتك صلاة موالك صلاة… رددنا معك بسهولة بدنا كل سنة تنعاد يا حضور وطلة كلها رجولة…”
https://www.youtube.com/watch?v=qt2eZiyTCoQ&app=desktop