لبنان بقلم ٍ شاب …

وُلدنا في هذا الوطن وترعرنا في مدنه، شبابا ً من كل الطوائف والمذاهب والانتماءات، تعلمنا منذ الصغر حب هذا الوطن، وتربينا على قيم ومبادىء أزهرت في نفوسنا شعورا ً غريبا ً تجاهه، لكل ٍ منا طريقته، وفي بعض الأحيان نظرته الخاصة نحوهذا الوطن، ولكننا أحببناه جميعا ً، لأن لبنان أكبر منا جميعا ً، لبنان جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وسعيد عقل وفيروز وصباح ونصري شمس الدين، وطن الجمال من بحر ٍ وسهل ٍ وجبال، لبنان ” قطعة سما ” كما قال الكبير وديع الصافي، لبنان الحرية والثقافة والمنارة في محيطه، كبرنا وفي عقولنا وقلوبنا ” لبنان عظيم ” فغدا بالنسبة لنا نحن الشباب: ” الوطن الحلم “.
أقول ” حلم ” وذلك لأن الخيبة كانت كبيرة، لأن الواقع كان مختلفا ً عن كل ما تربينا ونشأنا عليه، فالوطن الذي من المفترض أن يجمعنا ويقوينا، وأن نشعر في ربوعه بالمواطنة بمختلف مفاهيمها، كان في الواقع حلما ً لم يكتمل بعد.
عموماَ، المواطن هو الشخص الذي يخضع لسلطة وحماية الدولة، وبالتالي يتمتع بحقوق مدنية وسياسية واجتماعية وثقافية من جهة، وواجبات عديدة تجاه هذه الدولة من جهة أخرى. ولكل مواطن طريقته في ممارسة المواطنة، ذلك بما يتماشى مع القيم والمفاهيم الأخلاقية للمجتمع الذي ينتمي إليه.
ولكن في لبنان، ما زلنا نتمادى في تزوير مفهوم المواطنة وتحويره، ما أوصلنا يوما ً إلى ما سمي بالحرب الاهلية. وذلك لأن مفهوم الانتماء إلى الوطن لم يكتمل لدى المواطن بعد، إذ يغلب الانتماء الى منطقة أو طائفة أو زعيم على الانتماء الوطني، ويظهر ذلك جليا ً من خلال الممارسة اليومية في الحياة السياسية فالنائب في البرلمان أصبح مرجعية طائفية مناطقية في حين نصّ الدستور اللبناني بأن النائب هو ممثل لكل لبنان وليس لمنطقة أو طائفة معينة.
ومن جهة أخرى، إن العولمة التي اخترقت منازلنا عبر التكنولوجيا والإعلام والتقنيات، والتي جعلتنا جزء من هذا العالم الذي تحول الى قرية كونية واحدة كما وصفه البعض، لم يغير الكثير في مفاهيمنا من الناحية الوطنية، إذ لم نستطع حتى اليوم أن نجعل من الديمقراطية ممارسة حقيقية في حياتنا اليومية، بل على العكس استسلمنا لواقع مؤسف وأغمضنا أعيننا عن الواقغ الاجتماعي والمعيشي الصعب الذي نعيشه.
ومن هنا تقوم العلاقة الجدلية بين الوطن الحلم والخيبة، إذ لا يمكننا العبور إلى وطن الغد إلا بتكوين مفهوم صحيح للمواطنة.
هنا علينا بأن نحدد أي وطن نريد: ان نتفق على الهوية، الانتماء، وأن نتفق على كتابة تاريخ موحد بوجهه المشرق أحيانا ً ومآسيه أحيانا ً أخرى وأن نسمي الأمور بأسمائها الحقيقية.
إن الإنتماء والهوية في أبعادهما الفلسفية والنفسية والاجتماعية، حاجة ضرورية لكل إنسان وذلك لكسر العزلة والوحدة، ولإشباع عناصرأساسية في الحياة. إذ أنه من الصعب جداً أن يعيش الفرد بدون انتماء، ولكن السؤال هنا كيف يمكن أن يكون انتماء الأفراد على اختلافاتهم، منصهرا ً في إطار واحد وهو المواطنة؟

إن جوهر المواطنة يكمن في عدّة أمور:
المشاركة في الحكم: بما أن الشعب هو مصدر السلطات، فمن المفترض أن يتم ذلك بشكل ديمقراطي، يسمح للمواطنين بالتعبير عن حريتهم الفكرية والسياسية ويحقق رغباتهم وطموحاتهم، فيستطيع أي مواطن الترشح، والتصويت، وانتخاب ممثليه لكافة الهيئات، وبذلك يصبح مشاركاً في عملية صنع السياسة العامة في الوطن، إما بشكل مباشر من خلال النواب في البرلمان، أو بشكل غير مباشر من خلال دوره في الرقابة، والمساءلة، وتشكيل الأحزاب.
كل هذه الحقوق قد كفلها الدستور اللبناني، ولكن ما ينقصنا فعلاً هو كيفية تطبيق هذه الحقوق على أرض الواقع، علينا بداية ً تكوين وعي فردي لدى المواطن لكي يعرف حقوقه وسبل ممارستها وذلك من خلال عدة وسائل أبرزها التربية المدنية الصحيحة وتفعيل دور الإعلام الهادف.
المساواة بين جميع المواطنين: وهذا عامل جوهري في التأسيس لمبدأ المواطنة، فمن غير المقبول إطلاقاً التمييز بين مواطن وآخر على أساس دينه أوعرقه أو جنسه أو لونه أو انتمائه السياسي … إلخ. فالمواطنون متساوون في الحقوق والواجبات دون أية اعتبارات.
التمسك بالأرض: عندما نتكلم عن المواطنة حكما ً علينا التكلم عن مبدأ التمسك بالأرض لا الهجرة، وفي لبنان نشهد هذه الظاهرة وبكثافة كبيرة، وخاصة عند الشباب الذين وبفعل أخطاء كثيرة في الممارسات السياسية، والأوضاع الاقتصادية المترتبة عنها، قد اجتذبتهم مجتمعات جديدة وأعطتهم حقوق المواطن الأساسية وهذه خسارة لبنانية كبيرة وعامل من عوامل عدم عبورنا إلى وطن الغد.
القبول باختلاف الآخر: القبول باختلاف الآخر الذي يشاركنا المواطنة والعيش معه في مجتمع ٍ واحد على قدم من المساواة في الحقوق والواجبات، هو من أبرز العوامل المساعدة للتأسيس لمبدأ المواطنة السليمة، إذ أنّ هذا الاختلاف لا يلغي أو يقلل من شأن الآخر، لا بأفكاره أو معتقداته أو حريته، فالمواطنة هي الوعاء الكبير الذي يستوعب هذه الاختلافات، ويعطي الشرعية لتعددية المجموعات والآراء والتيارات والأحزاب، مع احتفاظ كل مجموعة بعاداتها وتقاليدها ونمط حياتها.
إذا ً علينا التعاون فيما بيننا، والاستفادة من الطاقات الفردية لصالح المجموعة، بحيث يصبح بناء الدولة مشروعا ً متكاملا ً يتطلب تفاعل وتعاون جميع المواطنيين بمختلف شرائحهم، مسخرين معارفهم ومهاراتهم، فيصبح النقد والتحليل والتقييم وممارسة الرقابة، مهارات تمكنهم من المشاركة الواعية والهادفة في الحياة المدنية، فيتعزز مفهوم المواطنة ونبدأ بالتأسيس للانتقال إلى لبنان الغد، وطنٌ يلبي طموحاتنا نحن الشباب ويؤمن حاجات المسنين منا ويضمن مستقبلاً مشرقا ً لأطفالنا.
فتكتمل الصورة وينتصر الحلم على الخيبة ، فينتشر الإنماء المتوازن، وتتفوق الخبرات والكفاءات العلمية على الوساطات والمحسوبيات، ويحترم المواطن لأنه لبناني فقط وليس لأنه من هذه الطائفة أو هذا المذهب أو تابع سياسيا ً لزعيم أو آخر، وننتقل من عصر الحكام إلى عصر الحكماء، فيغدو لبنان وطن الحوار البناء لا ساحة صراع هدّام.
فالأوطان لا تبنى بالشعارات، بل بالانتماء الحقيقي للوطن، وهذا يولد معنا، وننشأ عليه في البيت ومراحل الدراسة ونطبقه في الممارسة اليومية، ونتناقله من جيل إلى جيل، ونعبر عنه بتعصبنا لترابنا وشعبنا، فقد حان الوقت لنا نحن الشباب لنمارس دورنا في هذا الوطن عوضا ً عن التقاعس والاستسلام، حان الوقت لنسخر ثقافثنا وأفكارنا وطموحنا وأوقاتنا لإنعاش بلدنا، فصوت الشباب مدو ٍ، وقدرته على التغيير كبيرة، حان الوقت بأن نطلق عملية التغيير ونشارك فيها، فلنبدأ بتغيير أنفسنا بداية، من ثم فلننشر هذه الثقافة في مجتماعتنا الصغيرة وننقلها تباعا ً إلى سائر مكونات الوطن، فلنحاول على الأقل لأن لبنان الحلم لن يكتب لنا إلا … بقلم ٍ شاب…

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com