روني مهنّا- نحن شعوب لا نقدية: لا ننتقد، ولا نتقبل النّقد ومن منا لا يبتغي الشهرة؟

بعيداً عن الفنّ…لا أقصد من خلال هذه العبارة التغني أو المزايدة، ولست في معرض التبجيل والتفخيم، ولا أنا بوارد تناول موضوع ” الفنّ ” من زاوية أكاديميّة – بحثية، أو العرض العميق والمتعدد الجوانب لهذه “القضية “.
ما شغلني وأخذ من تفكيري هو إيجاد تفسير لهذا الموضوع ووضعه في إطار منطقي عام ومتسلل وفي تصرّف القرّاء بهدف فتح نقاش والحوار حوله.

السؤال الذي طرحته على نفسي هو :هل كلمة ” فن ” في لبنان والتي أصبحت مرادفاً لكلمة ” شهرة ” هي ” قضية “، وكيف تكون ذلك؟ مع العِلم أن هناك فنانين، مثقفين ومسؤولين عن شؤون الفن وهم يُبحرون في هذا المجال.
الفن له قواعده وأسبابه العميقة ودوافعه الكثيرة، وله جوانب عديدة، وهو لا يبدأ بالشهرة ولا ينتهي بحقوق الإنسان. لكن لكي نفهم ” قضيّة ” الفن، ونحاول مقاربتها بشكل منطقي متسلسل ونعيد أمورها إلى نصابه وصوابيتها إلى مساره، علينا أولاً أن نستوعب كلمة ” الشهرة ” ومن منّا لا يبتغيها؟.

الشهرة حلم المجد والخلود. هذا الخلود المنشود الذي طالما عبّر عنه الإنسان في كل ما إبتدعه من فكر ديني وأدبي وفلسفي وفني وحققه العلم و التقنيات الحديثة، وقيل أن البقاء للأقوى بحيث ادعوا أن الملوك والطغاة هم صانعو التاريخ ….

الشهرة الزائفة لدينا والمؤقّتة هي الأكثر شيوعاً، لأن الشهرة تطال السخيف قبل الحكيم، والمتمظهر دون الجندي المجهول الذي يعمل في الكواليس. لا شهرة تعلو فوق شهرة الوطن، تماماً مثلما مصلحة المجتمع تعلو فوق مصلحة الفرد. لكن أين فنانينا من ذلك؟ لماذا هذه الشرذمة في صفوفهم؟ ولماذا يتسابقون على تمزيق ما ورثناه وإضاعته إلى الأبد؟

الشهرة تنطفئ عندما “يسوّس” الشخص، أي عندما يأكل “السوّس” كل عقله وتفكيره، حيث أن الشخص إن كان فنانأ أو سياسياً أو حتى إعلامياً يعتبر نفسه أول العالم وآخره، لا أحد أمامه ولا أحد وراءه.
فالمعادلة بسيطة: كل شخص عندما يضع أعماله وإنجازاته وراءه، يبقى يرى الدنيا أمامه فارغة و واضحة، أي بمعنى آخر هي بحاجة دائماً ودائماً إلى ملئها بأعمال ونجاحات إضافية، وهو ما يدل على التقدم الدائم والبحث الحثيث عن الافضل. والعكس صحيح، كل شخص يضع أعماله أمامه ويتباهى بها طوال الوقت، دون التفكير في الطريق للتقدم والمتابعة، فإنه بذلك يضع الحواجز والعراقيل لمسيرته، ويصل لمرحلة لا يرى شيئاً أمامه أبداً.

لماذا نتحدى بعضنا البعض من خلال زجليات مضمونها الشتيمة واللعنات المتبادلة؟ ولماذا لا نسعد إلا إذا شاهدنا صورنا في الصحف وعلى شاشات التلفزة وعلى الإنترنت؟ ولنقول ماذا؟ ” فلنهاجم بعضنا البعض…”.
“البساطة” عنصر أساسي للإستمرار، بالإضافة إلى “العمل الدؤوب” لتحسين الذات، فلكل انسان ميزات معينة، وهذه الميزات ستموت إن لم يطورها.
الشيخ عبدالله العلايلي، يقول: “كل ما لا يُستعمل…يموت”. فبالتالي، علينا جميعاً أن نعمل على ملء حياتنا بالأعمال الناجحة والانجازات الكبيرة دون التفكير بأننا نضعها أمامنا كالجبال العالية، وعلى الناس أن يتسلقوها.

من هنا المقولة الشهيرة “الشهرة سيف ذو حدين”… فلسوء الحظ، أن هناك أشخاص يعتبرون الشهرة أو الوصول لدرجة أن يصبح الانسان مشهوراً آخر الطريق وإنتهى الموضوع، والأهم هو أن هناك نوع من الإستغلال في الوطن العربي للموقع ، أي أن كل شخص عندما يصل إلى موقع مهم، يُكرّس عند الجمهور ويحصل على الاحترام والتبجيل، فسواء إستمّر أو لم يستمّر به، فهو موجود…

والمصادفة أننا شعوب “لا نقدية”: لا ننتقد، ولا نتقبل النقد… فالحياة “ماشية” تحت شعار “سيري فعين الله ترعاكِ” ولكن طبعاً لنوقف هذه المهزلة يجب علينا أن نبتكر ونطور ما هو مفيد في حياتنا.
الشهرة مجد باطل، فكل شخص مشهور أو غير مشهور، عندما يتعرض لحادث ما سوف يتألم بمرارة، وعندما يمرض تسوّد الدنيا في وجهه، والشخص عندما يموت، لا يبقى من شهرته شيئاً، بل تبقى أعماله التي تتحدّث عنه للأجيال المقبلة . بالتالي، اللحظة الأساسية عند الإنسان هي في ما يتركه وما يخلّفه وراءه، خاصةً إذا كانت هذه الأعمال أصيلة وأصليّة.

الشهرة؟ ماذا يبقى من الشهرة؟

الناس تقول:”فلان كان…، وعلّان كان…” ثم تبدأ هذه الـ”كان” بالزوال والاضمحلال، بحيث تصل الى مرحلة كأنها لم تكن هذه الـ”كان” أصلاً وينتهي الموضوع.
أسوأ أشكال التعاطي بين البشر، هي الإلغاء، وأشد أنواع القمع عنفاً هو إلغاء الأخرين. لا نعلم من الذي قال أنه في حال أَلغيت الشخص الأخر يحقّ لك أن تكون في موقع متقدم أكثر، أو بموقع أعلى… فهذا الكلام ليس سليماً ولا صحيّاً، وكل إنسان لديه مكانه ومكانته في العالم، ولأن الناس لديها مكانتها فهي موجودة في هذا العالم وتفرض نفسها من خلال اعمالها، فمن هنا كل شخص يجب أن يأخذ مكانه دون التطاول على أماكن الأخرين والتسابق للحصول عليها.

ومهما كان المصير الذي ينتظرنا، فإن ثمة حقيقة سوف تبرز للملأ وتشتهر حتى بعد مئات السنين، وهي أن: الأكثر شهرة هم الأكثر لعنة… والشهرة المستعارة شُهب، سرعان ما تنطفىء.
وعلى الرغم من ذلك لا نحب إلا الشهرة….

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com