رأي خاص- هبة طوجي ملكة المسرح الرحباني المعاصر وغسان صليبا عموده الفقري

باتريسيا هاشم- بصراحة: لم تكن عروض مسرحية “ملوك الطوائف” للراحل المعلم منصور الرحباني ضمن مهرجانات ارز تنورين عادية ، لا من حيث الديكور ولا من حيث اداء جميع الممثلين ولا من حيث الازياء والموسيقى ولا من حيث التجربة التي عاشها رواد هذا المهرجان ولا من حيث سحر الاجواء التي بدت كأنها ليست من هذا العالم ولا من هذا الزمن.

عروض ثلاث استثنائية كاستثنائية بطلَي المسرحية غسان صليبا وهبة طوجي اللذين أثبتا انهما ملكا المسرح بدون أي منازع وبعيداً عن المقارنة بأي فنان في عصرنا هذا خاض تجربة المسرح الغنائي قبلهما او سيخوضها بعدهما، فلا تجوز المقارنة بأي شكل من الاشكال لأن سنوات ضوئية من الابداع و”عصب” المسرح وندرة الصوت والحضور والاداء تفصل بينهما وبين الآخرين.

بين شلوح ارز تنورين زُرِع المسرح الرحباني. والخلود كان القاسم المشترك بين الاثنين، انصهار وانسجام الموسيقى الرحبانية بشلوح الارز انعكس متعة على الحضور الذي عاش تجربة غنية وثمينة، وعبق المكان برائحة النور والمجد وتجلى عملاقا المسرح غسان صليبا وهبة طوجي على مسرح تواق الى خلود الكلمة واللحن والصوت فكانا وفيّان الى روح المعلم منصور الرحباني فحصدا دون ادنى شك اعجاب الحضور في المسرح واعجاب الحاضر في السماء.

عانق صوتها السماء، غنّت كأنها تناجي ملائكة الرب احياناً وآلهة الحب احياناً أخرى وأحياناً كانت المتمردة على الشرّ والمنتقمة من منفّذيه، ولكن في كل الاحوال كانت الماردة الشابة على المسرح، حتى تكاد تسأل من اين  تخرج منها كل هذه الطاقة ومن أي رحم تولد هذه الموهبة الجبارة، فهبة طوجي تخطت منذ زمن كل من خاض تجربة المسرح الغنائي فاستحقت عن جدارة لقب ملكة المسرح الغنائي المعاصر. فهي ليست صوتاً قادراً يجيد غناء كل اللغات باتقان وابداع فحسب بل هي الجميلة والشابة والذكية والمثابرة والمناضلة والعنيدة والمجتهدة والطموحة النادرة أيضاً، فتجد نفسك في حضرة أنثى استثنائية تبهر حواسك وتخترق أنفاسك فتستلم لبهاء حضورها وأدائها وروعة صوتها الذي تجلى على مسرح “ملوك الطوائف” فأثبتت مرة جديدة انها تعشق التحدي ولا تهاب خوض غمار المنافسات ولو استنزفت طاقاتها وموهبتها، فتوجها أرز تنورين ملكة كل الطوائف الفنية.

اما هو فهو القادم من الذاكرة الجميلة التي تغص بالاعمال الرحبانية التي شارك فيها، ملك هو ايضاً تاجه الصوت الذي لا يتكرر وصولجانه الحضور القوي الذي يصيبك بعدوى الشموخ والعنفوان والصلابة. وغسّان صليبا خرج من المنافسة منذ حين ليغرّد منفرداً في سماوات الابداع الرحباني وليثبت انه عامود من اعمدته وحجره الاساس. سرّ هذا الرجل لا يدركه الا من يجلس مذهولاً يتمتع بكل ما يقدمه لنا، يعانق السماء كل ما قرّر الكلام او الغناء او حتى حين يلتزم الصمت.عملاق المسرح الرحباني يستدرج دوماً احترام الجمهور له وتقديره لموهبته الخارقة تمثيلاً وغناءاً.

وعلى ضفة نهر اشبيليه يلتقي المعتمد بن عباد (أي الفنان غسان صليبا) ملك اشبيليه وهو في رحلة صيد الجارية اعتماد الرميكية (اي الفنانة هبة طوجي) وهي جارية وغسالة يعجب بها ويسحر بجمالها وبقولها للشعر فيطلبها للزواج وتصبح زوجته وام اولاده وملكة اشبيليه. هذا الامر لا يروق لابن عمار وزير المعتمد وهو الشاعر والسياسي المحنك وصديق الملك الوفي لانها جارية وافكارها السياسية تعارض افكاره فيحاول ابعادها من الطريق.

وفي اشبيليه مدينة الثقافة والفن والشعر والادب طبقة من الشعب المعارضة لسياسة ابن عمار تعيش تحت وطاة البؤس والفقر وترهقها الضرائب وملوك الطوائف وعددهم اثنان وعشرون دولة يومذاك اشقاء في العلن واعداء في السر يكيدون لبعضهم بعضاً ويتسابقون على نيل رضى الفونسو السادس ملك كاستيليا الذي يدفعّهم اموالاً طائلة ويعرض عليهم خوات بحجة دفاعه عن السلام ومقاطعة من يقاطع ومحاربة من يحارب وفي لقاء سرّي يقيم المعتمد والملك الفونسو السادس معاهدة سرية كانت وصمة عار للشعب الاندلسي بحياكة ومباركة وتخطيط ابن عمار وسفير الفونسو. هذا الامر لا يعجب الملكة اعتماد فتحاول الغاءها لكنها لا تنجح.

مؤامرات تحاك وقصة حب عاصفة بين الرميكية والمعتمد وشعب لا يثق بحكامه. كل ذلك يدور باحداث درامية بانتظار هجوم الملك الفونسو لارجاع الاراضي السليبه من العرب.

يدرك المعتمد خطأه الكبير بابرام المعاهدة مع الفونسو السادس ويقرر الغاءها يجتمع بزملائه ملوك الطوائف ويقرر دعوة يوسف بن تاشفين ملك البربر مع جيوشه من المغرب لمساعدتهم في التغلب على الفونسو فيلبي الدعوه.

في معركة الزلاّقه ينتصر يوسف مع ملوك الطوائف ويستقبله اهل الاندلس استقبالاً عظيماً. نهايات الممالك تتشابه، والمنقذ يصبح المحتل.

يوسف بن تاشفين يُعجب ببلاد الاندلس وباخضرارها وازدهارها فبعد ان يكون حررها ورجع الى المغرب  يعود اليها محتلاً، فيدخل ممالكها وينفي ملوكها وعلى راسهم المعتمد بن عباد ملك اشبيليه وعائلته الى اغمات في المغرب.

وعلى وقع نشيد المنفى يقول المعتمد بن عباد

يـا هالعرب           انا واحد منكن

انا آخر نصر           وآخـر شاعر

واللي خسّرنا           انا سكرنـا

بمجد الماضي           ونسينا الحاضر

بكرا اذا تلاقينا          بالزمان اللي جايي

وانكتبو التواريخ

انشالله نكون تحررنا     من ماضينا وصرنا

عـرب المستقبل        مش عرب التاريخ

ملوك الطوائف مسرحية غنائية تاريخية تأليف وتلحين ومسرحة  منصور الرحباني إخراج مروان الرحباني.

شارك في التلحين والتوزيع: الياس الرحباني – غدي الرحباني – اسامة الرحباني – مروان الرحباني.

الاشراف الفني فؤاد خوري، تصميم الملابس غابي ابي راشد، تصميم الديكور ميريام قرداحي، كوريوغرافيا وتصميم الرقص فلكس هاروتونيان، تدريب الرقص والكوريوغرافيا دانييل الرحباني.

تصميم الاكسسوارات طوني حنا، تصميم المكياج ايلي خاطر، تصميم وتصفيف الشعر روبير معلوف، مدير الانتاج عبدو الحسيني، مدير مكتب الانتاج عصام حمدان،  مدير الفرقة انطوان خليفة، مساعد المخرج بطرس حنا، تمت التسجيلات في استديو الياس الرحباني ـ لبنان، هندسة الصوت ومكساج اوديشو كيواركيس، الاشراف ومستشار التسجيل جاد الرحباني، عزف الاوركسترا اللبنانية وعازفي الخشبيات والابواق النحاسيه من لندن، انتاج ليالي ارز تنورين ومروان وغدي واسامه الرحباني.

2شارك في بطولة العمل كل من بول سليمان بدور ابن عمار وزير المعتمد ابن عباد، اسعد حداد بدور القائد خلف بن نجاح قائد جيش المعتمد، زياد سعيد بدور الملك الفونسو السادس ـ (ملك قشتاله وليون)، نزيه يوسف بدور سفير الملك الفونسو ويوسف بن تاشفين ملك البربر، انطوان خليفة بدور ملك ملقه، جهاد خوري بدور الملك عبد الملك ( ملك قرطبه)، كميل يوسف بدور الباز الازرق ( حارس الرميكية الخاص)، ايلي جريس بدور ملك غرناطة، ريتا دكاش بدور الجارية وداد ( جارية الرميكية)، جوزف نصر بدور عبدالله (من شعب اشبيلية)، ملك طليطله ابن ذي النون وابو بكر، بطرس حنا بدور سير قائد عند يوسف بن تاشفين، كريم الرحباني بدور ملك سرقسطه.

واكثر من مئه فناناً بين ممثل ومغني وراقص وراقصه ومنشد ومنشدة وعمال تقنيين وفنيين خلف الكواليس.

ملوك الطوائف شارك في تنفيذها عدد كبير من الفنانين بين مصمم ومؤلف وملحن وعازف وممثل وعمال وتقنيين من لبنان واوكرانيا ولندن .

اما التحية الكبيرة فللسيدة مارلين بطرس حرب التي آمنت بالفن الرحباني وجيرت له ثلاث ليالٍ من العمر ورحبت بحرارة ومحبة بضيوف مهرجانها وساهمت في جعل مهرجانات ارز تنورين من اهم مهرجانات هذا العام لناحية التنظيم والبرنامج الفني.

أخيراً نذكر ان شخصيات سياسية بارزة ووجوه اجتماعية وفعاليات المنطقة حضرت العرض الاول من مسرحية “ملوك الطوائف” ولم يحل البرد دون استمتاعهم بهذا العرض الاستثنائي فطغت حرارة الموسيقى على كل شيء وتسللت الى جميع الحاضرين بين احضان ارز تنورين.

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com