رأي خاص- برنامج ضحك وجدّ لطارق سويد ومي سحاب طاقة أمل جديدة للبرامج الحوارية التلفزيونية

كثيرة هي البرامج الحوارية في الوطن العربي عامة وفي لبنان خاصة. وكثيرة هي البرامج التي تتوجّه بالتحديد الى نجوم أهل الفن من مغنيين وممثلين، مخرجين شعراء وموزعين. وكثيرة هي ايضاً البرامج التي تعنى بحصد أكبر عدد من السكوبات في الحلقة. أما الهدف فواحد، استقطاب أكبر عدد من المشاهدين أي ضمان اعلى نسبة مشاهدة او ما يعرف “بالرايتنغ” عقدة منتجي هذه البرامج وأصحاب المحطات التي تعرض عليها.

وان استفتينا الجمهور- وهو الحكم الاول والاخير لتصنيف هذه البرامج وتقييمها- نجد انه اضطر لمشاهدتها بما انها تفرض عليه ولا خيار آخر له، دون ان نتجاهل دسامة مضامينها الفضائحية حيناً والثرثرات احياناً اخرى او ما يعرف بال gossip وهي اكثر ما يستدرج المشاهدين الباحثين عن تمضية الوقت وسدّ فراغ برامج اخرى حُجبت عنهم منذ زمن بحجة انها لا تدرّ مالاً او معلنين على المحطة وبالتالي كما يدّعون “ما بتطعمي خبز” .

هناك برامج استطاعت ان تخرق جدار هذا الحظر واستطاعت ان تستقطب الجمهور الباحث عن مضامين قيّمة ولكنها للأسف نادرة في زمن برامج الوجبات السريعة او ال fast food حيث يصوّر عدد من الحلقات في أسبوع واحد -دواعي الانتاج- فتوضع الحلقة على نار حامية ولا ينتظر اصحابها حتى تنضج فتقدّم للمشاهد مسلوقة: نصف اعداد،نصف معلومات، نصف تصريحات ونصف بحث عن الضيوف الذين لا يكسبون في هذه الايام شيئاً من اي مقابلة يحلّون عليها ضيوفاً، فإما يُسألون أسئلة سبق ان طُرحت عليهم وإما يغوص معهم المحاور في أمور لا تعنيه ولا تعني المشاهد، وفي كلتا الحالتين الخاسر الاول هو المشاهد الذي لا حول ولا قوة له .

وان امعنا النظر الى ما يقدّم على شاشاتنا اللبنانية اليوم ، ندرك ان البرامج الحوارية الفنية القيمة نادرة وهي -ان وُجدت- تعرض ربما على محطات محدودة الشعبية وبالتالي لا تأخذ حقها سواء من الانتشار او من الشهرة .

نتوقّف اليوم عند برنامج “ضحك وجدّ” الذي يقدمه الاعلاميان طارق سويد ومي سحاب على شاشة otv اللبنانية على ان نبحث لاحقاً في برامج أخرى على محطات اخرى . برنامج “ضحك وجدّ” في الظاهر ترفيهي ومسلٍّ وهذه حقيقة فهو بعيد جداً عن الملل وهذا ما يجعل منه برنامجاً مثيراً وهذا نتيجة حنكة معديه لأنه في العمق يكاد يكون من أهمّ برامج الشاشة الصغيرة وأكثرها جديّة وهو يبحث في عمق أعماق ضيوفه ، في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ويجول معهم في ذكرياتكم الحلوة منها والمُرّة ويتحوّل البرنامج بفضل اعلامي حقيقي هو طارق سويد واعلامية ذكية هي مي سحاب الى مرآة يرى الضيف فيها نفسه على حقيقتها، لا يراوغ، لا يتحايل على الحقيقة ولا يرتدي الاقنعة، وينجح طارق ومي في كل مرة في استفزاز حواس ضيوفهم، مشاعرهم، شجونهم وهواجسهم ، ينجحان في كل حلقة في تجريد ضيوفهم من “الأنا”، فينزعون قفلها ويشرّعون الابواب على مصراعيها لاستخراج المشاعر والآراء والمواقف الخام التي لم نكتشفها ولم نتعرف عليها في اي برنامج آخر.

وان راقبتم عدداً من حلقات “ضحك وجدّ” تعتقدون انكم تتعرفون على الضيوف للمرة الاولى، فتضعون جانباً كل ما سبق وكوّنتموه من تصوّر وأفكار عن شخصيتهم وتبدأون مع طارق ومي رحلة استكشاف جديدة تسلّط الضوء أولاً على الانسان قبل اي شيء آخر ، فتتعاطفون مع الضيوف وتستمتعون في التعرف عليهم “من أول وجديد” وكأن برنامج “ضحك وجدّ” عابر للروح، حيث يقول ضيوف البرنامج فيه ما لا يجرؤون على الافصاح عنه في اي برنامج آخر.

برنامج “ضحك وجدّ” يشبه كثيراً معدّيه، فهو حقيقي،عميق وصادق ومن يتعرّف على طارق سويد عن قرب، يدرك ان لهذه الشخصية ابعاداً كثيرة قيّمة ابرزها الابعاد الانسانية التي تطغى على كل ما يقوم به طارق، إن في برامجه التلفزيونية او في نصوص المسلسلات التي يكتبها او في حواراته مع المستمعين عبر ميكروفون إذاعة جرس سكوب اف ام ، وعندما يكون “للانسان” الأولية فلا خوف على نجاح اي عمل يقوم به طارق لانه يعكس الصدق الذي نفتقده حالياً في الوسطين الاعلامي والفنّي.

اما مي سحاب القادمة من احزان تبدأ ولا تنتهي بعدما فقدت شريك حياتها وأب اولادها في حادث أليم ومؤسف والمتأرجحة على الهواء بين الابتسامة والدموع هي ايضاً تتقن لعبة الصدق في حواراتها مع ضيوفها وتكون في معظم الاحيان قريبة جداً منهم بحيث يُخيّل الى الضيف انها ضيفة ايضاً على برنامجها دون ان ننسى دورها كـ”عواطف” فهي نموذج يحتذى به عن المرأة الجبارة التي تتحدى كل انكسارات الحياة لتوزّع الفرح على من حولها تحت الاضواء وامام عدسات الكاميرات وهذا يحتاج الى شجاعة كبيرة ونحن نصفّق لمي التي تتحدى ألمها في كل حلقة لأنها اعلامية محترفة .وحتى حين تخونها دموعها احياناً على الهواء فهذا من فرط صدقها الا انها تلملها وتبقى متماسكة .

“ضحك وجدّ” برنامج ناجح بكل مقاييس النجاح بغض النظر عن نسبة المشاهدة التي لا تهمني صراحة فالأهم اليوم هو انه يساهم الى حدّ كبير في استرجاع بعض بريق البرامج الحوارية التي اصبحت للأسف تعتمد فقط إما على الفضيحة أوالترويج للاشاعات ونفيها ، بعيداً عن المضمون القيّم الذي يستحق ان يبقى ويُحفظ في ارشيف هذه المحطات ويصلح لأن يكون في المستقبل مرجعاً لاي جهة تبحث عن معلومات صادقة وعميقة عن نجوم هذا الزمن.

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com