بين التمثيل والتأليف : ضياع شبه تـام

تزخر الشاشات اللبنانية مؤخراً بالأعمال الدرامية والإنتاجات المحلية، وهو أمر يثلج القلب ويعطي إنطباعاً ايجابيـّــاً لمستقبل الدراما في لبنان، وإن كـان لنا تحفظـاً على مضمون بعض الأعمال التي عرضت أو تعرض حالياً، لا لسبب وإنما لإيماننا الراسخ بقدرة اللبناني على الخلق والإبداع وبضرورة نقل الواقع المعيوش الى المشاهد اللبناني أولاً ومن ثم المشاهد العربي.

أمـّــا اللافت، وهو ما يستوقفني، فهو تحوّل العديد من الممثلين الى الكتابة، في بلد يفتقر اصلاً لفرص حقيقية للإنتاج.
بدأت السبحة مع منى طايع ومن ثم مع كلوديا مرشليان وفي الآونة الأخيرة شاهدنا أعمالاً من تأليف طارق سويد – فيفيان انطونيوس – ريتا برصونا – جان قسيس – لورا خبّاز وغيرهم.
بعض الممثلين نجح في الكتابة حتى الإبداع، فكان خلاقاً وجذاباً يفكره وقلمه، الى أن صارت صفة الكاتب تنافس صفة الممثل لديه، أمـا البعض الآخر فكانت مواضيعه مبسـّــطة الى حد الإستخفاف.
وهنا نتوقف مجدداً.

الفكرة وطريقة معالجتها هما أصل كل عمل، والركيزة الأساسية التي تبنى عليها الدراما. لم يعد جائزاً طرح أفكار مستخدمة منذ عصور ومتكررة منذ أكثر من قرن، واستعمال حوارات بالية ومزخرفة لا تمت الى واقع المجتمع بصلة.
وان كان عتبنا على الكاتب قيراط، فإن عتبنا على الممثل “المؤلف” أربعة وعشرين قيراطاً، لأن الممثل كتلة أحاسيس ومشاعر، يؤدي أدواراً مركبة في معظم الأحيان، ويتحسس الواقع أكثر من الكاتب الذي يخلق الفكرة في مخيلته ويعالجها في مكتبه بين كتبه واوراقه.

لا يجوز أن يكتفي الممثل بعلاقاته العامة وبإسمه ليسوّق للعمل الذي يؤلفه، وإنما عمله ومؤلفاته يجب أن تكون عبرة.
لا يجوز أن تتحوّل الكتابة الى وسيلة للبقاء في دائرة الضوء إذا ما قرر أحدهم ولأي سبب من الأسباب الإبتعاد عن عدسات الكاميرات.
لا يجوز أن تكون الكتابة مجرد وسيلة لكسب مادي.

الكتابة رسالة والفن مسؤولية والفكر سهم مسنـّــن يطال كل شخص، خصوصاً وأن نسبة تأثر المشاهدين وخصوصاً المراهقين منهم بالأعمال الدرؤامية، تفوق نسبة تأثرهم بالكتب والمدرسة وبالعظات وأحاديث الصالونات.
إنه حق مكتسب لكل شخص أن يقدم فكره على مذبح الدراما وأن يستعرض إبداعه، شرط أن يحمل أبعاداً فكرية وإنسانية لا أن يقتصر عمله على مجرد رص للكلمات.
وهنا نستذكر الأدباء الذين صنعوا مجد الدراما اللبنانية ونخص بالذكر الأستاذ أنطوان غندور والقدير مروان نجار والمتجدد دوماً شكري أنيس فاخوري، فلننهل من فكرهم بهدف التطوير والإنطلاق من حيث وصلوا الى افق واسعة ورحبة وربما الى مجتمعات لم تستطع اعمالهم الولوج اليها.
لتكن الفرصة متاحة امام الجميع لأننا بحاجة الى دم جديد وفكر شبابي منفتح لننافس بأعمالنا اللبنانية أهم الأعمال العربية، وهو ما اعتاد عليه لبنان في أكثر من مجال، وليس بالأمر الغريب أو المستحيل علينا.

من أجل عيني الدراما اللبنانية، وكي لا تبقى ابواباً مقفلة وحباً ممنوعاً وحتى نستطيع أن نفرح بكل ما نساهده وأن يحمل التلفزيون بشرى سـارة، نحمّـــل كتاب اليوم، ممثلي الأمس واليوم، مسؤولية كبيرة لأن على عاتقهم (كما يبدو بعد استقصاء الكتـّــاب) سيبنى مستقبل الدراما في لبنان.

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com