الموت المتنقل على الطرقات يخطف غنوة وعبد الحميد

خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية فقط، سقط ستة قتلى وثلاثة جرحى، أحدهم في حال الخطر، في سلسلة من حوادث صدم وقعت في مختلف المناطق اللبنانيّة. ستة قتلى في 48 ساعة، وقبلهم قتيلان على الأقل كل يوم يسقطون على طرق الموت المجّاني في لبنان.
وقع الحادث الأفدح أمس الأول، عندما ظنّت غنوة، الإبنة البكر لمعتمد وميرفت المصري، أنها قادرة، بأعوامها الثمانية، على حماية شقيقها الأصغر عبد الحميد (خمس سنوات)، فأصرت على أن تمسك بيده وهما يغادران مدرستهما شبه المجانية أمس الأول. إلا أن مدخل المدرسة يقع على طريق العبدة ـ العريضة الدوليّة. من خطط لإقامة مدرسة على طريق سريع، ومن وافق على القرار، ومن يحمي تلامذتها؟
لمّا سمع الوالد، وهو مياوم كان يعمل في حقل قريب، صوت صرير الفرامل وصراخ الشهود، ركض لاستبيان الأمر. لم يكن يعرف أنه سيلملم أشلاء ولديه المتناثرة بعدما صدمهما جيب «غير مدني» وظلّ يسحب ما تبقى منهما على مسافة سبعين مترا…
أمّا ميرفت، الوالدة الثكلى، فتتمنى فقط لو أنها ماتت قبل أن تدفن طفليها اللذين «لطالما جاهدت مع والدهما وتنقلنا من سكن إلى آخر سعياً وراء لقمة العيش المرَّة بهدف تربيتهما»، ثم تضيف «ليتني لم أرسلهما إلى المدرسة»…
مدرسة على طريق دولي من دون إشارات وإجراءات حماية، وسائق جيب عسكري يصدم طفلين ويسحبهما لمسافة سبعين متراً. هكذا، بكل بساطة».
أما أمس، فقتل شاب في العشرين من عمره، له اسم هو خالد قاسم الحسن، في حادث على طريق المطار.
وقضى محمود عزيز الهافين، وكان في الرابعة والعشرين من عمره، بعدما صدمته سيارة على أوتوستراد الزلقا. ولم تنته القصة عند ذلك الحدّ، إذ تناوبت السيارات العابرة على دهس الجثة مجدداً لعدم التنبه لوجودها وسط الطريق…
وفي الجديدة، صدمت سيارة رجلا كان على متن دراجة هوائية.
وعلى طريق العبدة في عكّار، صدمت سيارة مسرعة السبعيني حسن ناصر وأردته.
وفي عمشيت، وقع حادث أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح مختلفة أحدهم إصابته بالغة.
كم حياة دمّرت في لحظة؟ كم حياة تزهق يوميا على طرق لبنان؟ من المسؤول؟ من هو المعني بألا تتحول غنوة وعبد الحميد الى مجرد رقمين يضافان الى إحصاء الحوادث اليومي، الى مجرد معطى في تقرير أمني يرتفع عدد معطياته يوما بعد يوم؟ من يضمن أن غنوة، وعبد الحميد وسائر ضحايا الموت المجاني على الطرق في لبنان لن يبقوا مجرد خبر ينشر في جريدة، يثيــر الأسى في النفوس للحظات، وفقط.
لكنهم، وحتى إشعار آخر، مجرّد أرقام. أرقام مرشحة للارتفاع بوتيرة متزايدة يوميا، في غياب الرادع والمحاسب والكافل لحياة البشر على هذه الأرض.
وحتى الأرقام ليست موحّدة. فخلال أيلول الماضي مثلا، سجّلت أرقام قوى الأمن الداخلي مصرع حوالى خمسين شخصا جراء 247 حادث سير، بالإضافة إلى إصابة 372 شخصاً، في حين قدّرت جمعية الـ«يازا» عدد ضحايا حوادث السير في الفترة ذاتها بألفين وأربعمئة ضحية بين قتيل وجريح.
أمّا أرقام الصليب الأحمر اللبناني فتفيد بأن عدد إصابات حوادث السير في أيلول المنصرم بلغ 979 ضحية، وأنه منذ بداية الشهر الحالي وحتى السادس عشر منه بلغ عدد الضحايا 480 شخصا.
وكانت «اليازا» قد أعلنت في تموز الماضي أن عدد ضحايا السير في النصف الأول من العام 2010 بلغ حتى نهاية حزيران ستة آلاف ضحية، من بينها خمسمئة قتيل، أي بمعدّل ثلاثة قتلى في اليوم الواحد.
وحذّرت «اليازا» من تصاعد عدد حوادث السير في العامين الماضيين، منبّهة إلى أن الوضع يتّجه نحو المزيد من المأساوية، مطالبة السلطات المعنية بإعلان حال طوارئ «لحماية شبابنا من الموت على الطرق».
ولفتت إلى أن إجراء عملية إحصاء دقيقة لضحايا حوادث السير، بالتنسيق مع وزارة الصحة، ستكشف حتماً حجم المأساة التي تجري يومياً على الطرق، وهي من الخطوات الأولى التي قد تشير إلى العمل الجدي لمكافحة هذه الآفة.
وربما تبدأ المشكلة من هنا، من غياب الأرقام والإحصاءات الدقيقة، والافتقاد إلى جهة واضحة مكلفّة ومعنية بإحصاء عدد الحوادث، ورصد أسبابها، ليصبح من الممكن الحدّ من خسائرها.
ولا يمكن الاستهانة بحجم الخسائر، إذ تؤكّد جمعية «كن هادي» أن حوادث السير هي السبب الأول لوفاة الشباب في لبنان، وأنها تكبّد البلاد كلفة قدر البنك الدولي حجمها بمليار وأربعمئة مليون دولار سنويا.
في انتظار أن يوجد من هو عازم على إنجاز ذلك، تتوالى الجنازات مشيعة بنحيب الأمهات الثكالى والآباء المفجوعين، والناس بين التسليم البائس بالمقدّر أو لوم «المسؤولين» الذين لا يمكن حصرهم تحديدا، إذ لا مرجعية يمكن التوجّه إليها بالشكوى وطلب الاقتصاص من المخالفين.
لقد باتت حوادث السير «كارثة وطنية»… ولا بد من علاج بحجم الكارثة، بما يتطلّب التفكير بمعالجات استثنائية، لأن المسؤولية تتجاوز هذه الإدارة أو تلك، بل هي تستدعي ما يشبه المؤتمر الوطني للتداول في كيفية وقف المذابح اليومية، كأن يتلاقى جميع المعنيين من الرسميين ورموز المجتمع المدني، وتدرس الحلول الممكنة في ظل واقع الطرق والازدحام وحال السيارات المستخدمة والقوانين المعمول بها والتي ثبت أنها لا تشكّل رادعا.

التقرير نقلاً عن جريدة السفير

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com