أمـــــــــي بقلم الزميل مجدي قباني

    

بالنسبة إليّ، لم يعد تاريخ 21 آذار كما كان في السابق…لقد أصبح ذكرى سنوية تكتوي بمشاعر الحزن، وكيف لا؟! والموت خطف مني، قبل عيد الأم بأشهر، من كانت سبباً في وجودي، والإنسانة التي أدين لها بحياتي وتحصيلي العلمي وكل ما تنطوي عليه شخصيتي اليوم…

أمي، الموت لم يسرقك مني فحسب، لكنه سرق مني كل آمالي في العيش بهناء أوالشعور بأي فرح غامر بعد رحيلك. كيف لي أن أفرح أو أضحك، وأنت يا “آمال” حياتي أصبحت بعيدة، تركتني وحيداً وإخوتي بعد أن كنت أملنا الوردي في أيامنا وليالينا. أمي، أصبحت بعدك يتيماً محروماً نعمتي الحنان والحب، فتحولت أيامي الى خريف دائم.

أمي…إحدى عشر عاماً مرّت على غيابك، لكنك بالتأكيد حاضرة دوماً في فكري على مدار الأيام والسنوات. وكم أشكر الله سبحانه وتعالى أنه أنعم عليّ بذاكرة قوية جداً، فلم أنسى مطلقاً محطات كثيرة وعطاءات كبيرة قدمتِها في سبيل إسعادنا أنا وإخوتي.

أمي، يا أطهر كلمة وجدت على وجه الكرة الأرضية، أحنّ الى حضنك الدافىء، وأحنّ أكثر الى نصائحك وإرشاداتك, لقد كنتِ الأخت والصديقة والأم التي عملت وجاهدت وكافحت بغية أن يحصّل أبناؤها التعليم الجامعي، إيماناً منها بأن التعليم هو السلاح الأبرز والأهم في مواجهة الحياة بكل صعوباتها…سلاح العلم الذي حُرمت أنت من نعمته، ولم تعرفي منه شيئاً بإستثناء التوقيع بإسمك على الأوراق الرسمية.

تعود بي الذاكرة الى محطات عديدة حرمت نفسك خلالها من أشياء وأشياء، حتى زيارة الأطباء، حين كان يصيب المرض جسدك النحيل، بغية توفير المال لمستلزمات الدراسة والأقساط الجامعية.

أمي, كلمة لم يعد لساني ينطق بها، لكني أحنّ دوماً الى تردادها. ثلاثة أحرف تتسلل الى نفسي على الدوام فتصيب أحاسيسي بالحزن – ولا إعتراض على حكم الله سبحانه وتعالى – لكنني أشعر بالوحدة واليأس أحياناً كتيرة لأنني فقدت من كانت تستمع إليّ وتحفظ أسراري وأكون معها على سجيتي دون قيود.

في تاريخ الواحد والعشرين من آذار يصبح كل شيء جميل مغلّف بالفرح، ففصل الربيع يهلّ بأولى إطلالالته، الأزهار تتلوّن، الفراشات ترقص فرحاً، العصافير تزقزق طرباً لصغارها… كل شيء من حولي فرح إلاّ أنا…
أنا الذي إتشح قلبه بالسواد في مثل هذا اليوم، حزناً على فراق أغلى الأحباب، فراقك أنت يا أمي.

ما كنت لأصدق يوماً أنك سترحلين بهذه السرعة، وتتركينني وحيداً مع أحباب وأقارب أشعر دوماً أنهم غرباء عني.

عيد الأم…عيدك أنت يا الغالية…لم يعد كما كان في السابق…ولم أعرف يوماً معنى أن يفقد الفرد أمه إلاّ حين غيبّك الموت عني…

أمي يا أجمل كلمة نطقت بها شفتاي…ويا أشرف وأروع مخلوق في هذا الكون…أحنّ إليكِ وأشتاق إلى رؤياك وأفتقد على الدوام دفئك وحنانك.

يا من وهبتني الحياة، أحمل لك في قلبي كل التقدير والإحترام على تضحياتك الكبيرة، لطالما تفانيت فيها وأنا ما أعطيتك إلاّ القليل، أطلب منك السماح وألتمس المغفرة…إن عذائي الوحيد صلواتي الدائمة منذ رحلت عني وحتى هذه اللحظة، أرفعها إلى الله تعالى طالباً منه أن يُسكنك فسيح جناته.

كل عام، أعدّ الأيام والساعات التي تفصلني عن هذا التاريخ، 21 آذار، دون أن أعرف كيف يمكن ليوم عيد الأم، عيدك انت يا أمي، أن يمرّ…ترى هل سيكون بإمكاني تجاهله؟ ؟ لا، لا يمكنني فهذا أمر مستحيل.

مقالات متعلقة

Back to top button

Adblock Detected

Please disable ads blocker to access bisara7a.com